حادثة مستشفى المواساة.. هل تكون نقطة الانطلاق لنظام صحي أكثر إنسانية؟

الثورة – فردوس دياب:

لم تكن حادثة ترك مريض لساعات أمام مشفى المواساة، مجرد حادثة عابرة، أو مجرد خطأ إداري عابر، بل هي تجسيد حي لأزمة تراكمية لسنوات طويلة من الفساء والترهل والانهيار القيمي في بعض المؤسسات، وهذا ما يتطلب وقفة جادة لتشخيص الداء ووصف الدواء، ذلك أن هذه الواقعة المؤلمة تفتح الباب أمام حوار مجتمعي عميق حول طبيعة المسؤوليات الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية وحدود الواجب المؤسسي.

صحوة الضمير الجمعي

الدكتورة رشا شعبان الأستاذة في كلية الآداب “قسم الفلسفة” في جامعة دمشق” ، أكدت أن ردود الفعل الشعبية إزاء الحادثة تمثل مؤشراً إيجابياً على حيوية المجتمع، واستمرار نبض الضمير الجمعي فيه، فهذا الرد التلقائي من المواطنين، ليس مجرد تعاطف عابر، بل هو إعلان صريح عن رفض المجتمع للانتهاكات اللاإنسانية، وتأكيد على أهمية التضامن الاجتماعي كحائط صدّ أمام الانهيار الأخلاقي، انطلاقاً من أن تعاضد أفراد المجتمع في مثل هذه المواقف يُعيد بناء جسور الثقة بينهم، ويُذكّر بأن الكرامة الإنسانية هي القيمة العليا التي يجب أن تحكم العلاقات الاجتماعية. وأضافت شعبان أن الجدل الدائر حول الحادثة يعبر عن عمق العلاقة بين المواطن والمؤسسات، وهي علاقة تتجاوز نطاق الخدمة والمصلحة إلى دائرة الانتماء والمصير المشترك، فالمواطن الذي يطالب بمؤسسات أفضل إنما يعبر عن ارتباط حقيقي بوطنه، وإيمان راسخ بأن هذه المؤسسات تمثل تجسيداً للعقد الاجتماعي الذي يربطه بالدولة، كما ويشكل الوعي المتزايد بالحقوق الصحية لدى المواطنين دليلاً على تقدم الوعي الاجتماعي، ونقلة نوعية من ثقافة التلقي إلى ثقافة المطالبة والمشاركة.

أزمة الثقة

وبينت شعبان أن الحادثة تشكل منعطفاً حاسماً في مسار الثقة بين المجتمع والنظام الصحي، فالتعامل التبسيطي مع الواقعة أو محاولة التعتيم عليها يُؤسس لشرخ عميق في جدار الثقة، ويُرسخ قناعة بأن المؤسسات لم تعد قادرة على حماية حقوق المواطنين أو حتى الالتزام بأبسط معايير الكرامة الإنسانية، في المقابل فإن المحاسبة الجادة والشفافة تمثل الضمانة الوحيدة لاستعادة الثقة المفقودة، منوهة أن الحادثة تمثل استثناءً مرفوضاً وليست قاعدة مقبولة. وذكرت شعبان أن انتشار مثل هذه الحوادث يؤدي إلى إضعاف الشعور بالانتماء وهوية المواطنة، فالمؤسسات التي يفترض أنها تجسيد للدولة وحاضنة للمواطنين تتحول إلى مصدر للتهديد والخوف، وعندما يفقد المواطن الثقة في قدرة المؤسسات على حماية حقوقه الأساسية، يبدأ بالانسحاب تدريجياً من دائرة المشاركة المجتمعية، ويتحول من شريك في البناء إلى عنصر غريب عن محيطه الاجتماعي ومؤسساته. كما شددت شعبان على دور الإعلام المحوري في معادلة الإصلاح، فهو السلطة الرابعة التي تمارس رقابة موضوعية على أداء المؤسسات، وتسهم في تشكيل وعي مجتمعي متقدم، من خلال كشف الحقائق وتحليلها، كما ويُسهم في خلق رأي عام ضاغط يدفع المؤسسات إلى الالتزام بمسؤولياتها، كما يُحوّل المواطن من متلق سلبي إلى شريك فاعل في عملية الرقابة والإصلاح، مشيرة إلى أن وعي المواطنين بحقوقهم يعتبر رافعة حقيقية لتطوير الواقع الخدمي، فالمطالبة بالحق ليست ظاهرة سلبية، بل هي تعبير عن نضج مجتمعي وإدراك لطبيعة العلاقة التكافلية بين المواطن والمؤسسة، هذا الوعي يحوّل المواطن إلى شريك حقيقي في عملية البناء، ويرفع من سقف التوقعات تجاه جودة الخدمات، ويخلق بيئة تنافسية إيجابية تدفع المؤسسات باتجاه التطوير المستمر.

الاعتراف بالخطأ

وأوضحت شعبان أنه عندما تُواجه الأخطاء بشجاعة وصدق، وتُتخذ إجراءات المحاسبة الجادة، يمكن عند ذلك تحويل الطاقة الغاضبة الناتجة عن الحادثة إلى قوة دافعة للإصلاح، فالاعتراف بالخطأ هو الخطوة الأولى نحو المعالجة الجذرية، والاستماع إلى صوت المجتمع الغاضب يمكن أن يوفر تشخيصاً دقيقاً لمواطن الخلل، و تحويل هذا الغضب إلى خطة إصلاح عملية يتطلب إرادة سياسية حقيقية، واستعداداً لتقديم التنازلات الضرورية من أجل الصالح العام. وختمت الأستاذة الجامعية حديثها بالقول: إن حادثة مشفى المواساة بقدر ما تمثل صدمة للضمير الجمعي، لكنها في الوقت نفسه فرصة لإعادة النظر في جودة الخدمات الصحية وطبيعة العلاقة بين المواطن والمؤسسات، مبينة أن معالجة تداعيات هذه الحادثة تتطلب أكثر من الإجراءات الترقيعية، بل تستدعي إصلاحاً جوهرياً يضع الكرامة الإنسانية في قلب الأولويات، ويعيد بناء الثقة عبر الشفافية والمحاسبة والمشاركة المجتمعية، من خلال الاعتراف بالأخطاء والاستجابة لمطالب المجتمع، كما يمكن تحويل هذه الحادثة إلى نقطة الانطلاق الى نظام صحي أكثر إنسانية وفعالية.

آخر الأخبار
الزراعة.. شراكات تنموية واستراتيجيات نحو أمن غذائي "مهرجان تسوّق حلب".. عودة الألق لسوق الإنتاج الصناعي والزراعي الهلوسة الرقمية.. شبح "الذكاء الاصطناعي الواثق" يهدد موثوقية التعليم تعزيز التعاون السوري الباكستاني في التعليم الطبي والتمريضي 133 إصابة لايشمانيا بدرعا في تسعة أشهر صناعيو الشيخ نجار يطالبون بالتوسع في تركيب كاميرات المراقبة قمع التعديات على خطّ الصرف الصحي في "معربة".. ولا تلوث يهدّد البيئة في ظل التحولات الكبرى.. هل فقدت "قسد" أي خيار إلا التفاوض مع دمشق؟ هاكان فيدان: شاركت في جزء من اجتماع الشرع وترامب وطرحت الرؤية التركية العامة بشأن سوريا رئة المواطن تئن .. عوادم السيارات ومخلفات الحرق تغتال الأوكسجين تجييش كبير بعد شجار طلابي.. وجامعة حلب توضح ما جرى النور مكلف والشتاء قادم... فهل تكون الشمس هي الخلاص؟ اللحوم حلم على موائد المواطنين .. سعر جنوني يثقل فاتورة الشراء تحذيرات  من "الجفاف المتضافر"  على الموسم الزراعي مرحلة جديدة.. سوريا والعراق يوقعان على "إطار أمني" استعداداً لمرحلة ما بعد الأسد المخلوع ما الذي يعنيه فتح السفارة السورية في واشنطن؟ سوريا تتحول إلى "ممر اقتصادي".. مشاريع الطاقة والنقل تعيد تعريف دورها الجيواستراتيجي الكتاب الورقي.. عودة الروح إلى الصفحات شركة الصرف الصحّيّ بحمص تطالب بتعديل التشريعات واستبدال آلياتها المتهالكة ترامب طلب تمديد اللقاء مع الشرع في "البيت الأبيض"