الثورة – نيفين أحمد:
أشعلت تسريبات منسوبة لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، حول مستقبل بشار الأسد “كرجل أعمال” موجة واسعة من الجدل على المنصات الرقمية؛ لكن بعيداً عن صحة هذه التسريبات ماذا كشفت لنا آلاف التعليقات عن حقيقة المزاج السوري اليوم؟ هل نحن أمام شعب يرفض التسويات بشكل قاطع، أم شعب أنهكته الحرب ويبحث عن أي مخرج؟ من السخرية كسلاح سياسي إلى العدالة كشرط للمستقبل، نحاول هنا أن نكشف “المزاج السوري الرقمي” لقراءة ما بين سطور التعليقات وتقديم رؤية استراتيجية للمرحلة القادمة.
المؤشرات الرقمية العامة
نبض الشارع بالأرقام رسم صورة أولية واضحة لاتجاهات الرأي العام، وفق إحصائية رسمية وصلت لصحيفة “الثورة”. بناء على رصد 2025 تعليقاً عبر 12 منصة إعلامية سورية كانت النتائج كالتالي: نسبة التشكيك والسخرية 52 بالمئة (الفئة المهيمنة)، ونسبة التحليل السياسي أو القانوني: 27 بالمئة، أما نسبة التأييد الصريح للتسوية: 21 بالمئة. وهذه الأرقام تؤسس لحقيقة أولى، أن الجمهور السوري لم يعد يثق بأي سردية سياسية لا تستند إلى دليل رسمي. يطرح توقيت التسريبات وأسلوبها أسئلة استراتيجية حول الأهداف الروسية. فغياب أي توثيق رسمي على موقع وزارة الخارجية أو الإعلام الروسي الكبير يرجح فرضية “بالون الاختبار” المصمم لقياس ردود الفعل وإرسال رسائل متعددة الأطراف. تحليل مصطلح “رجل أعمال”، فهذا الوصف ليس مجرد تلاعب لفظي دبلوماسي. إنه محاولة لصياغة “خروج آمن” يضمن المصالح الروسية الاقتصادية في مرحلة ما بعد الأسد، عبر تحويل شخصية سياسية مثيرة للجدل إلى فاعل اقتصادي يمكن التعامل معه ضمنياً. كما أنه يهدف إلى تفريغ الجرائم المنسوبة إليه من بعدها القانوني، وتصويره كرجل “أنهكته الحرب” بدلاً من “مجرم حرب”، في حين أن مناقشة مقارنة “القذافي”، والإشارة إلى مصير القذافي هي رسالة مزدوجة وشديدة الذكاء. فمن ناحية هي تحذير للأسد نفسه من مغبة رفض التسوية، ومن ناحية أخرى هي رسالة للشعب السوري والمجتمع الدولي بأن البديل عن “النهاية الناعمة” التي تديرها موسكو هو الفوضى الشاملة، مما يبرر استمرار الوصاية الروسية على مسار الحل السياسي.
تشريح المزاج العام السوري
ما بين السخرية والبراغماتية كشفت التعليقات عن مجتمع رقمي ناضج ومعقد يستخدم أدوات متنوعة للتعبير عن مواقفه والسخرية كسلاح سياسي، حيث هيمنت نبرة التهكم على التعليقات وتحول وصف “رجل أعمال” إلى مادة للتندر مثل “الاستثمار في الدم السوري؟” أو “الأسد ماسك البزنس بدل المخابرات؟”. هذه السخرية ليست مجرد تنفيس، بل هي أداة مقاومة رمزية فعالة تجرّد الخطاب الدبلوماسي الروسي من هيبته وتكشف تهافته الأخلاقي.
انهيار جدار الخوف الرقمي
ظهر من خلال رصد نسبة التشكيك والسخرية، والتي كانت حوالي الـ 52 بالمئة، وهذا يؤكد أن الجمهور لم يعد يخشى التعبير عن رأيه الرافض للسرديات الرسمية. وتكرار عبارات مثل “محاولة تبييض فاشلة” و”لا يوجد مصدر روسي رسمي” يعكس وعياً جمعياً بأهمية التحقق ورفض أي محاولة لتجاوز الحقائق. في المقابل لا يمكن تجاهل نسبة الـ 21 بالمئة التي أبدت قبولاً ضمنياً عبارات مثل “نهاية ناعمة أفضل من القذافي”، وهنا تكشف النسبة عن وجود تيار براغماتي يخشى الانزلاق إلى سيناريو الفوضى الشاملة، وقد يكون مستعداً لتقديم تنازلات صعبة مقابل وقف نزيف الدم وتحقيق الاستقرار.
توزيع التفاعل حسب المنصات
الجدير بالذكر أن لكل جمهور أولوياته، حيث أن هناك تبايناً واضحاً في ردود الفعل بناءً على طبيعة المنصة وجمهورها، مما يعكس تنوع المجتمع السوري نفسه. نسبة التشكيك والسخرية المنصات ذات التوجه النقدي والتحليلي شهدت أعلى نسب تشكيك، مما يؤكد أن الجمهور الأكثر اطلاعاً هو الأكثر رفضاً للتسويات الغامضة. لكن الشرط السوري للمستقبل، القاسم المشترك الأعظم في غالبية التعليقات الرافضة هو “العدالة أولاً”. حيث يرى الجمهور أن أي تسوية تتجاوز المحاسبة على جرائم الحرب، خاصة في”صيدنايا والغوطة” هي خيانة لتضحيات السوريين هذا المطلب الشعبي الرقمي حتى لو بدا غير واقعي في ظل التوازنات الدولية الحالية، ويضع مسؤولية تاريخية على الإعلام السوري والمجتمع المدني لتحويله إلى ضغط حقيقي في أي مفاوضات مستقبلية، إذ لم يعد دور الإعلام الوطني يقتصر على نقل الخبر، بل يجب أن يقود حواراً وطنياً حول مفاهيم المحاسبة والمصالحة، وأن ينتقل من الرواية الروسية إلى الرواية السورية.
صوت الشعب الرقمي، يؤكد أن المزاج السوري العام لم يعد يقبل أي رواية تبريرية للنظام المخلوع. بل إنه يقرأ تصريحات لافروف أو ما نُسب إليه كاختبار جديد لموقف الحلفاء من العدالة السورية.