الثورة – لجينة سلامة:
تتعدد المناسبات والدعوات التي نلتقي فيها عن قرب مع الأدباء على اختلاف نتاجهم الأدبي، ونتفاعل مع نبض حروفهم وأبعاد معانيها، منهم من يترك أثراً يدفعك لمتابعة نشاطاته ومشاركاته، ومنهم من يظل اسمه في الذاكرة ليس إلا.
في طرطوس كان لنا فرصة اللقاء مع الشاعر الفراتي خليل حمادة في زيارته الأولى إلى هذه المحافظة، والتي اختلطت لديه مشاعر الخوف بالفرح كما يقول على صفحة الفيسبوك خاصته: “كمواطن سوري، كانت هذه المرة الأولى التي أزور فيها مدينة ساحلية، وهو أمر غريب بالنسبة لي، فقد كنا في السابق، بسبب الفقر المدقع الذي كنا نعيشه، لا نملك ترف السفر إلى المدن السورية الكبرى. بل كان أقصى ما نصل إليه هو زيارة قلعة جعبر وبحيرتها في الرقة، أو الذهاب إلى دمشق للعلاج أو لأداء الخدمة الإلزامية العسكرية في الجيش. أما السياحة، فكانت أمراً بعيداً عن متناولنا.”

عندما تقرأ الشاعر الفراتي حمادة، ستقرأ مبدعاً وخبيراً في مزج حفيف ضفاف النهر مع تراب الصحراء في شعره، فتصلك رائحة مزج ألوان الفرات ودروب القلوب التي يتذكرها بحبّ وشغف. يجيد حمادة التنقل بين الألوان التقليدية للشعر، وينسج قصص أبطاله الروائية ويكسبها ألوانها وأصواتها بأسلوبه الخاص، فيمنح لكل منها بصمته التي تميز نتاجه الأدبي من شعر ورواية، الذي يعكس المشاعر والأحلام والصراعات التي يعيشها ويحيي ذكراها بحروفه. حقق حضوراً ملفتاً ونجومية في لبنان بعد مغادرته سوريا، ومن ثم نال الإقامة الذهبية في الإمارات العربية المتحدة، والتي من الطبيعي أن تكون قد فتحت له أبواب النجاح الذي يسعى إليه كل أديب.. “الكلمة عندي ليست تجارة، بل أثرٌ أضعه على الطريق لمن يأتي من بعدي”.
كان لصحيفة الثورة حواراً مع الشاعر حمادة: – كيف حصلت على الإقامة الذهبية في دبي؟ وهل ساعدتك اللهجة الفراتية في نظمك للشعر في دول الخليج؟ لا تمنح وزارة الثقافة في الإمارات هذا الوسام صدفة، هناك دائرة صغيرة من المبدعين، تُراقب خطواتهم بصمت، وتتأكد من أن ما يكتبونه ليس حبراً فقط، بل أثراً يبقى بعد أن نمضي. وأنا كغيري من أولئك الذين حملوا الكلمة كحرفة وحياة، تابعت لجنة وزارة الثقافة الإماراتية مساري ومؤلفاتي ومشاركاتي ووقفات طويلة مع النص، فكانت أن منحتني الإقامة الذهبية بوصفي كاتباً لم يتوقف عن الحفر في اللغة حتى تومض… ويضيف: “لا أدري تماماً، ربما وجدتني كما يجد الضوء ظلّه.” – ماذا حققت لك الإقامة الذهبية؟ الشهرة، الحضور الأوسع، أم النجومية؟ ردّ الشاعر حمادة أن “الإقامة الذهبية تكريم لمساري قبل أن تكون امتيازاً بمجرد منحها. أما ما ستقدمه لي، فالوقت وحده سيكمل الجواب، فما زال الحديث مبكراً لذلك” على حد قوله. وسألته: هل كنت تطمح للشهرة؟ فيجيب: “لا، لست من الذين يركضون خلف الضوء لأجل الضوء، أنا فقط أحمل قصصاً خرجت من ليلٍ طويل في سوريا، قصصاً كان لابد أن تجد نافذة تبوح بالقول: ‘نحن كنا هنا.'” -هل حقق لك نتاجك الأدبي من شعر ورواية ودراما، استقراراً مادياً؟ يجيب بصراحة: “ليس بعد، لكن الأبواب بدأت تتحرك قليلاً، وكأنها تتنفس، وأنا أتابع السير بهدوء، فالكلمة عندي ليست تجارة، بل أثرٌ أضعه على الطريق لمن يأتي من بعدي.” – ما الذي يميز شعرك على المستوى العربي؟ يقول الشاعر الفراتي: “ما يميز شعري عربياً هو التنوّع، فقلمي يكتب الشعر العروضي، وينسج النثر، وينساب أيضاً في الشعبي، سواء كان نبطيّاً أو فراتياً أو محكيّاً. غالباً ما أختار ما يلامس وجدان الآخرين، أشياء تتسلل إلى الروح قبل الأذن، فتجد صداها في نفوس من يقرؤون أو يسمعون.” -ما دور وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار نتاجك الأدبي؟ يوضح بأسلوبه الشاعري أن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا كبيرًا في انتشاره الأدبي، “فقد كانت الجسر الذي عبرت عليه لأصل إلى القراء والمعارف، لتتعرف على كلماتي كما تتعرف الشمس على قطرات الندى.” – لماذا يموت الشغف عند الأديب، وكيف يحيا من جديد؟ يقول في إجابة تحمل شفافية وعمقًا: “يموت الشغف عند الأديب حين يُقيّد بالكلام المكرر أو بالقيود الاجتماعية، ويحيا حين يجد الحرية للتعبير عن أعماقه بلا قيود.” فأسأله: لماذا غادرت سوريا؟ فيقول بصراحة: “لم أغادر سوريا لأنني رغبت بالابتعاد، بل لأنني لم أعد أحتمل أن أتنفس في مكانٍ صار الهواء فيه مُحملاً بالخوف، كيف أبقى في أرضٍ صار السؤال فيها جريمة والحلم تهمة؟”.
استوضحت منه عن تحضيره لعمل درامي بصدد كتابة سيناريو له، وهل بالإمكان الحديث عنه، فوضّح: “نعم، طُلب مني كتابة مسلسل بدويّ عن شخصية ملحمية، وما زال العمل في طور الكتابة، حتى الآن لم يُمثل بعد، لكن الحلقات الأولى وملخصها لاقوا قبولاً رائعاً من قبل شركة الإنتاج والمخرج، وكأنها بذور تنتظر أن تنمو على الشاشة الصغيرة.”