الكتابة الرقمية الآسرة.. هل تبعد أكفنا عن الحبر وطقوسه؟

الثورة – همسة زغيب:

تتسارع الأيام، وتتمدّد التكنولوجيا في تفاصيل حياتنا حتى باتت اللغة الرقمية جزءاً من نبضنا اليومي، تُرافقنا في لحظاتنا وتغزو ذاكرتنا.

ومع ذلك، ما زال الورق يحتفظ بسحره، وما زال للكتابة بالحبر طقسٌ روحي يخصّ المبدعين، ممن يجدون في ملمس الورقة وعبق الحبر امتداداً لذاكرتهم الإبداعية.

في المفترق بين الحبر والشاشة، تتجدد الأسئلة عن جوهر الكتابة وهويتها وحدودها الإنسانية: هل غيّرت الأجهزة الذكية طريقة تفكيرنا الإبداعي؟ وهل يمكن أن تشكّل الكتابة الرقمية تهديداً للهوية الأدبية التقليدية؟ أم إنها مجرد تطوّر طبيعي في مسيرة التعبير الإنساني؟.

الورق أداة للكتابة

الشاعر قحطان بيرقدار في حديثه لصحيفة الثورة يرى أن الكتابة على الورق تجربة لا يمكن تعويضها، فهي ليست مجرد وسيلة للتدوين، بل جسر بين القلب والفكرة، بين ما يُقال وما يُحَسّ.

يقول في حديثه: “أكتب القصيدة أولاً على الورق، ثم أنقلها إلى الكمبيوتر وأطبعها ورقياً، لأن الورق يمنحني دفئاً لا توفره الشاشة”.

الورق في نظره ليس أداةً جامدة، بل كائن حيّ يتنفس بما يُكتب عليه، يحمل بصمات اليد ودفء اللحظة، ويُعيد إلى الشاعر إحساسه الأول بالكلمة، فحين يخطّ الشاعر أبياته، يسمع خرير الحبر كأنّه صدى داخلي للمشاعر، وترتجف الورقة في يده كقلبٍ يتهيأ للاعتراف.

الكتابة بخط اليد فعل حميمي يعيد الإنسان إلى ذاته، ويجعله أكثر صدقاً مع الفكرة التي يريد قولها.

لا تحل محل الحبر

ورغم عشقه للورق، لا يعادي بيرقدار التكنولوجيا، بل يعتبرها امتداداً طبيعياً لتطور أدوات الإنسان، لكنه يصرّ على أن الإبداع لا يولد من الشاشة بل من الروح.

ويقول: إن الأجهزة الذكية “تختصر المسافات لكنها لا تخلق إحساس الورقة، ولا تستبدل رائحة الحبر لأنها تشبه الذاكرة الأولى للكتابة”.

ويرى أن العلاقة بين الأداتين يجب أن تقوم على التوازن لا التنافس، فالتكنولوجيا تسهّل الوصول، لكنّ الورق يمنح الخلود. الكتابة على الورق تمنح الفكرة عمقها الأول، بينما تمنح الأدوات الرقمية فرصة الانتشار والتوثيق.

وهكذا تكتمل الدائرة بين الأصالة والحداثة، بين بطء التأمل وسرعة العالم.

القلم.. رمز للفكر والذاكرة

أما الشاعر منذر يحيى عيسى فيرى أن القلم أكثر من مجرد وسيلة، فهو كائن يعبّر عن الفكر قبل أن يدوّنه، وأداة تخلق من السكون حركة.

يقول في حديثه لصحيفة “الثورة”: “كان القلم منذ فجر التاريخ أداة لتحويل الأفكار إلى كلمات تُخلّد في ذاكرة الزمن”.

القلم بالنسبة له ليس جماداً، بل امتداد للوعي الإنساني، حين يكتب الإنسان بالقلم، يتباطأ الزمن قليلاً، فيستعيد وعيه بالكلمة، ويمنحها وزنها الحقيقي.

الكتابة بالقلم ليست فقط بوحاً، بل تمرين على الصبر والتأمل، رحلة بين الحروف التي تولد من نبض اليد لا من نقر الأصابع. في هذا البطء المتأمل تنضج الفكرة، وتصفو المعاني، وتصبح الكتابة طقساً روحياً يوازي الصلاة في صفائها.

القلم والتاريخ والهوية

يرى عيسى أن القلم كان وما زال حجر الزاوية في بناء الحضارات، فمن خلاله وُثّقت الشرائع، وتناقلت الأمم علومها وفنونها. يقول: “لولا القلم لما وصلنا إلى تاريخنا، ولما أدركنا ما خلّفته الحضارات من فكر وجمال”.

القلم هنا ليس مجرد أداة كتابة، بل رمز للهوية الثقافية وللاستمرارية الإنسانية، مرآةٌ تعكس رحلة الإنسان من الطين إلى الحرف، ومن الفكرة إلى الوعي.

وحين نكتب، لا ندوّن فقط ما نعرف، بل نعيد ترميم الذاكرة الجماعية ونصنع تواصلاً صامتاً بين الأجيال، فالقلم، كما يصفه الشاعر، ليس أداة للكتابة فحسب، بل “نبض أمة وذاكرة كائن حيّ اسمه الإنسان”.

القلم كأداة فنية وروحية

لا يرى عيسى في القلم وسيلة جامدة، بل كائناً نابضاً بالفن والجمال، ويقول في حديثه: “إن القلم في الأدب فرشاة ترسم العاطفة، ومرآة تُظهر أعماق الإنسان”.

الكتابة بالقلم تمنح الفكرة ملمساً حسّياً، حيث يتحول الورق إلى مساحة تأملية، يرى فيها الكاتب نفسه بوضوح وسط ضجيج العالم، في تجربة لا تشبه الضغط على الأزرار، لأن كل حرف يولد من إيقاع داخلي، وكل كلمة تُسكب كما يُسكب الضوء على وجه الفجر.

إنها لحظة لقاء بين الكاتب وذاته، وبين الفكر والمادة، وبين الصمت والصوت.

بين التغيير والحفاظ على الهوية

في عالم يزداد رقميةً كل يوم، يتساءل عيسى: “هل يمكن للجوالات والكتابة الرقمية أن تشكّل تهديدًا للهوية الأدبية التقليدية؟” ويجيب بثقة: “ربما لا تهددها، لكنها تُغيّر شكل العلاقة بين الكاتب والنص”.

فبينما تمنح التقنية سرعةً وانتشاراً غير مسبوقين، إلا أنها تفتقر إلى المعنى الإنساني النابع من صوت القلم إلى بطء الكتابة وكل ما يتيح التفكير والخيال.
ومع ذلك، يرى أن الأدب لا يفقد جوهره، بل يتكيّف مع أدوات عصره، لأن الفكرة تبقى الأصل مهما تغيّرت وسيلة التعبير عنها. فالإبداع، في جوهره، نابع من الإنسان لا من الوسيلة.

القلم ذاكرة الشعوب

يؤكّد الشاعر أن القلم حافظ للذاكرة الجماعية، وما يُكتب به لا يُمحى بسهولة: “ما يُدوَّن بالقلم يبقى شاهداً على الفكر الإنساني، لأنه يترك أثر اليد والنية في آنٍ واحد”.

فالحبر بالنسبة له ليس مادة، بل ذاكرة حيّة تُسجّل حياة الإنسان وتمنحه استمراريته، ومن خلال الكتابة، تُصان التجربة الإنسانية وتتحوّل إلى ذاكرة جماعية تحفظ هوية الشعوب، كما لو أن الحبر دمٌ جديد يسري في عروق التاريخ.

ويبقى الحبر، رغم سطوع الشاشات، الأقدر على كشف ما يختبئ في أعماقنا، فما بين القلم والجهاز، لا يتصارعان بقدر ما يكمّلان الإنسان حين يكتب، وجوهر الكتابة، كما يقول عيسى، هو فعل محبة ومقاومة للنسيان، لأن كل حرف يولد من صدق التجربة يخلّد أثره في الذاكرة.

قد تتبدّل الأدوات، لكن جوهر الكتابة سيظلّ الإنسان ذاته، يبحث بالحبر أو بالضوء عن معنى البقاء، وعن لحظة يترك فيها أثره قبل أن يرحل.

آخر الأخبار
الكتاب الورقي.. عودة الروح إلى الصفحات شركة الصرف الصحّيّ بحمص تطالب بتعديل التشريعات واستبدال آلياتها المتهالكة ترامب طلب تمديد اللقاء مع الشرع في "البيت الأبيض" الوزير الشيباني: بحثنا في واشنطن الملف السوري بجميع جوانبه وإعادة الإعمار ضمن سياق جديد سوريا تدخل "التحالف الدولي" باتفاق سياسي.. كيف سيكون شكل العلاقة؟ نحاسيات سوق مدحت باشا.. تفاصيل صغيرة تخبىء فلسفة الحياة ترامب بعد لقائه الرئيس الشرع: سأبذل كل ما في وسعي لإنجاح سوريا مازوت التدفئة للمدارس الجبلية بطرطوس ينتظر التمويل العمل عبر الإنترنت.. هل بات حلاً بديلاً للهجرة الاقتصادية؟ الرياح.. قوّة الطبيعة لإعادة التوازن لشبكات الكهرباء ترامب يتعهد بدعم القيادة السورية بعد لقائه الرئيس الشرع في "البيت الأبيض" المنشآت السياحية بحلب تنضم لحملة "حلب ست الكل" "سويفت".. يعزّز ثقة المستثمرين بقدرة النظام المصرفي من الورق إلى الشاشة.. هل التعليم الإلكتروني خيار أم ضرورة؟ الهندسة تبدع وشباب سوريا يصنعون المستقبل لجنة "الاستثمار العقاري" تطلق رؤيتها لـ "إعمار بيد سورية" الرئيس الشرع: سوريا في عهد جديد مع واشنطن وترتيبات أمنية مع "إسرائيل" المزاج الرقمي السوري يفكّك "بالون الاختبار" الروسي.. ما وراء تسريبات لافروف؟ كأس العالم للناشئين.. ألمانيا والبرازيل للدور الثاني متصدرين الأولمبي يواجه نظيره الأردني ودياً