الثورة – حسين روماني:
ليلة مليئة بالطرب عاشتها العاصمة السورية دمشق على مسرح الدراما في دار الأوبرا، حين اجتمع عبق الماضي بصوت شاب، في أمسية طربية أحياها الفنان محمود الحداد بالتعاون مع شركة إيفينتو أمس، وسط حضور غصّت به القاعة حتى آخر مقعد، فمنذ الساعات الأولى لطرح التذاكر، كانت المؤشرات واضحة، الجمهور السوري عطش للطرب الأصيل، فلم تمضِ 48 ساعة حتى أُعلن عن نفاد جميع المقاعد، في مشهد يعكس شغف الناس بالفن الجميل وعودة الروح إلى المسارح السورية.

التحول الرقمي يطرق أبواب الطرب
في حديث خاص لصحيفة الثورة، قال أحمد عاصي، المدير العام لشركة إيفينتو، إن هذه الحفلة تمثل “خطوة جديدة في طريق التحول الرقمي للفعاليات الفنية في سوريا”، وأضاف: “إيفينتو هي شركة مرخصة، وقدمت أول خدمة رقمية في مجال الفعاليات والحفلات في سوريا، بحيث أصبح الحجز يتم عبر الإنترنت دون الحاجة إلى تذاكر ورقية.

هذه تجربة جديدة عملنا فيها أكثر من 30 حفلة، والنتائج كانت رائعة، وهذا دليل على أن الشباب السوري قادر على الإبداع في التطبيقات التقنية متى ما أُتيح له المجال”.
وأشار عاصي إلى أن “دار الأوبرا في دمشق تُعد رمزاً ثقافياً وتاريخياً للمدينة”، مؤكداً أن التعاون مع إدارة الدار “كان سهلاً ومشجعاً للغاية”.
وأضاف بابتسامة: “الموافقات الروتينية كانت سلسة، والكل كان متعاوناً لتشجيع أي مبادرة فنية قريبة من دار الأوبرا. بصراحة، لم يكن هناك أجمل ولا أسهل من هذا التعاون”.
صوت يعيد الحنين إلى زمن العمالقة
اعتلى الفنان محمود الحداد خشبة مسرح الدراما وسط تصفيق طويل، ليبدأ رحلة موسيقية أعادت الحضور إلى أيام الطرب الأصيل، بصوته العذب وحضوره الأنيق.
قدم الحداد باقة من أجمل ما غنَّى عمالقة الغناء العربي: “عز الحبايب” لصابر الرباعي، “قارئة الفنجان” لعبد الحليم حافظ، “أمل حياتي” لأم كلثوم، “في يوم وليلة” لوردة الجزائرية، إلى جانب أغنية للراحل محمد عبد الوهاب وصباح فخري.
كان الجمهور يردد معه وكأن الزمن عاد إلى مقاهي الشام القديمة، حين كان الطرب فناً للحياة، لا مجرد استعراض صوتي.
الطرب يجمع الأجيال
ما ميّز الحفل لم يكن فقط الغناء الراقي، بل تنوع الجمهور الذي ملأ القاعة، هكذا قال صانع المحتوى الأردني الشاب ساهر عمر، أحد الحاضرين لـ”الثورة”: “كل شيء في هذه الليلة كان يعيدنا إلى الجذور، دمشق بتاريخها وحضارتها احتضنت أجواء رائعة.. رأيت في القاعة من هم في الثمانين ومن هم في العشرين، الجميع تفاعل مع الأغاني بكل حب.. كانت أمسية إنسانية بامتياز”.
وأضاف: “محمود الحداد معروف لا يُعرَف، هو صوت دمشقي أصيل، وحفلاته دائماً تنثر الفرح في حارات دمشق”.
تجربة بصرية جديدة
من جهتها، قالت السيدة هدى، إحدى الحاضرات، إن ما ميّز الحفل هو “المزج بين الصوت والصورة”. وأضافت: “كانت تجربة مختلفة تماماً. نحن معتادون على حفلات يغني فيها الفنانون الأغاني الحديثة فقط، لكن هنا كان الطرب الأصيل مرفقاً بصور على الشاشة خلف الفنان، ما جعلنا نعيش الجو بكل تفاصيله.. كانت رحلة فنية جميلة ومؤثرة”.
أما السيد مروان، فعبر عن إعجابه بتنظيم الحفل قائلاً: “كل شيء كان مرتباً من البداية إلى النهاية. من شراء التذاكر أونلاين حتى الدخول إلى القاعة.. لم نشعر بأي ازدحام، وكل شيء كان راقياً كما يليق بدار الأوبرا”.
مع نهاية الأمسية، وقف الجمهور طويلاً يصفق لمحمود الحداد، وبينما كانت الأضواء تخفت، ظل صدى الطرب يملأ المكان، كأن دمشق تقول: “ما دمنا نغني للحب والجمال، فالفن باقٍ والوطن الأجمل”.