هل هناك قوانين صارمة يخضع لها المجتمع كما القوانين الطبيعية أم لا وهل هناك قوانين اجتماعية حقيقة الواقع أن لا شيء خارج العلاقات السببية علاقات متبادلة التأثير والتأثر، فثمة قوانين اقتصادية كالتضخم بمعنى أنه كلما ازدادت الكتلة النقدية أكثر من السلع يحدث التضخم وارتفاع الأسعار، وكلما زاد الفقر زادت الجريمة، وكلما ازداد القمع ارتفع منسوب واحتمال الانفجار والثورة، ولكن ما يميز القوانين الاجتماعية هي أنها ذات طبيعة احتمالية الحدوث وتحتاج إلى توفر ونضوج شروطها، فمثلاً البوعزيزي حرق نفسه فأشعل ثورة لأن ظروفها نضجت ولكن لو حرق نفسه في ظروف كغير التي كان يعيشها الشعب التونسي من فقر وفساد واستبداد لما حصلت الثورة، فثمة تراكم تاريخي من الحقد والقمع فاحتشد في النفوس وانتظر الفرصة اللازمة للانفجار، فهي ثورة قانونية كلما زاد القمع زادت إمكانية الانفجار، فاللامعقول لسلوك السلطة هو الذي فجر الثورة، فالمصادفة هنا هي التي حققت الضرورة التاريخية أي حققت القانون الاجتماعي فهي مرتبطة بحالة المجتمع وثقافته وأعداء المجتمع من منظري السلطة لا يقرون بقوانين اجتماعية حتى لا تقع بعد توافر ظروفها الموضوعية التي يتحملون هم أسبابها فيحيلون الثورات الاجتماعية والاحتجاجات للمؤامرات الخارجية والإرهابيين والمتطرفين.
التاريخ هو حركة من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل نحن نتحرك من الحاضر إلى الماضي ليحدث التراكم، ولكن قد تأتي عوامل تلغي القانون الاجتماعي أو تعطله وتمنعه من الحدوث كاستخدام العنف والقوة المفرطة ضد المجتمع أو قوى المعارضة فيحول دون تحقق القانون الاجتماعي فيكون العائق التاريخي، فمثلاً كان ثمة إمكانية لقيام دولة عربية في بلاد الشام والحجاز والعراق بعد الحرب العالمية الأولى كسياق طبيعي تاريخي، ولكن عاملاً خارجياً حال دون تحققها تمثل في مصالح بريطانيا وفرنسا والحركة الصهيونية، فيمكن للعامل الخارجي أن يكون معيقاً لحركة التاريخ وإلى الآن نعيش آثاره وإذا كان السؤال لماذا لم تتحقق الضرورة التاريخية بعد زوال الاستعمار، فالجواب أن الاستعمار قد كرس ظروفاً ووقائع جديدة أنهت الشروط السابقة على وجوده وتتمثل في سلطات وحقائق ترتبط ببقاء كيانات وطنية ارتبطت مصالحها به وببقاء الكيانات الوطنية توفر الاستمرار لها فلا بد من شروط جديدة؟ فثمة عامل خارجي حال دون تحقق القانون التاريخي هذا ما يجب أن نفهمه.
وفي القانون التاريخي لا يجوز لسلطة استبدادية ضيقة أو طاغية كما كان يتحدث فلاسفة اليونان أن تحكم أكثرية سياسية واجتماعية، ولكن يمكن أن يحدث ذلك بمصادفة تاريخية ولكنه أمر لن يطول لأنه سيحدث نتائج كارثية على المجتمع ولكن الطغاة وزبانيتهم لا يفهمون أو لا يريدون أن يفهموا قوانين التاريخ معتقدين أو واهمين أنهم يستطيعون كسر رأس التاريخ ولكن للتاريخ مسار قد يتوقف أو يتعطل أو ينحرف ولكنه سرعان ما يستعيد مساره وسياقه الصحيح ويقذف بهؤلاء على قارعته أو مزبلته إن شئت فثمة معقولية في التاريخ لا يمكن الغاؤها لأن العامل الخارجي لا يملك إمكانية الاستمرار أو الاستقرار لأنه يرتبط بشروطه الخاصة وهي التي لا تتطابق أو تتماهى مع عوامل وظروف بلد أو مجتمع آخر تقاطعت مصالحه معه في لحظة يمكن وصفها باللحظة الهاربة في التاريخ أي لحظة المصادفة لا الضرورة، فالعامل الخارجي هنا أعاق التطور الطبيعي في الداخل ولكنه لم ولن يستطيع إسقاطه أو تعطيله بشكل دائم فلابد أن يستعيد زخمه ويحقق قانونه التاريخي والحتمي فعلى كل إنسان أن يعي هذه الحقائق ولا تنطلي عليه الكذبات التاريخية بأسلوبها التضليلي المعروف لجهة إدخال الناس في حالة من انعدام الثقة بالنفس والهزيمة النفسية والاستسلام للواقع عبر تزييف الوعي.