الملحق الثقافي – مها محفوض محمد:
هل الحبّ حصروحكرعلى الكتّاب والمبدعين فقط دون الفلاسفة؟.
سؤال قديم جديد يطرح بل ويجب أن يظل مطروحاً للبحث عن إجابات يبدو ضرب من العبث فكلّ إنسان حالة خاصة ، لكن لابدّ من طرح السؤال ، وكان هناك موقع مفهرس قد طرحه وتصدّت للاجابة عليه بشاير الخالدي
عندما نبحث في الفلسفة عن الحبّ نبدو وكأننا نبحث بمصباح صغير عن شيء أضعناه »
بهذه الكلمات عبّر المؤرخ الكبير لوسيان جيرفانيون عن حزنه أن يرى مشاعر الحبّ تتفتت والحبّ يتشوه عبر شاشات التلفزة.
لم يكن اهتمام المفكرين والفلاسفة إلا قليلا بالحب بل انهم كانوا يتجاهلونه، أما اليوم فهم يكتبون عنه حيث بات الحبّ الكلمة السارية على أفواه الفلاسفة، ففي نهاية هذا الشهر سيصدر للكاتب الألماني ريتشارد بريخت الذي عرفه العالم بكتابه الأصفر الضخم «من أكون وان كنت فكم أساوي» مؤلفا تواقا تحت عنوان «الحب وتحطيم المشاعر» عن دار بلفوند، وعلى امتداد العام الماضي صدرت ستة كتب في الفلسفة حول الحبّ ذات جاذبية مدهشة.
عن هذا الموضوع وحول ذلك طرحت عدة استبيانات: ماذا يقول الفلاسفة الأعزاء حول هذا السؤال ؟
يؤكد الفيلسوف الماركسي ألان باديو في كتابه «مديح الحب» بأن الحبّ مهدد وعلى عاتق الفلاسفة تقع المهمة،عليهم أن يدافعوا عن الحبّ وأن يخلقوا من جديد حافز المخاطرة والمغامرة فيه بعيداً عن مشاعر الراحة والأمان ويدعو العشاق لأن يتسلحوا من جديد بمشاعر المواجهة لأنه يرى أن الحبّ الحقيقي هو الذي ينتصر باستمرار ولو بعد معاناة…
( نحنُ لا ننفذُ إلى الحقيقة إلاّ بالحُب )القديس أوغسطين
(الحب قوة الحياة، في المقام الأول، ونحن كائنات حيّة لذلك فإننا نخضع لأوامر هذه القوة. و من لم تصبه هذه القوة لا يكون حياً و لا يعد جزءاً من الكائنات الحية) حنة أرندت
إذا تعين علي أن أصوغ اعترافاً فأنا أعرف تماماً أي اعتراف سأكتب وإذا تعين علي أن أكتب سبع أمنيات فأنا لاأعرف إلا أمنية واحدة سأكررها سبع مرات، حتى وإن كنت أعرف أنها ستتحقق منذ المرة الأولى تلك الأمنية تعد قناعتي الأكثر عمقاً وهي أن : (لا الموت، ولا الحياة، ولا الملائكة ولا الأمراء، ولا أصحاب النفوذ ولا الحاضر ولا المستقبل ولا الرفعة ولا العمق ولا أي مخلوق على وجه الأرض يستطيع أن يبعدني عنك أو أن يبعدك عني).كيركجيارد
إننا لاننتحر بسبب الحبّ من أجل امرأة، بل ننتحر لأن الحبّ أي حب، يكشف عرينا وبؤسنا يظهرنا عُزلاً وسط العدم « تشيزاري بافيزي
«لذة الحبّ لا تدوم سوى لحظة أما ألم الحبّ فيدوم طوال الحياة» لوكريس
– الحب في أعين الكتاب والفلاسفة العرب له العديد من والآراء ، وجهات النظر وله كتابات خاصة متعددة. عبر الجيز عن حبه في كتابه «النساء» ، وفي خطاب الرسالة «القيان» أن هذا الشعور العقلاني بعيد عن التسلية ، وقد طالب الناس بمقاومته. أما ابن حزم الأندلسي ، فقد حطمت الحمامة الألفة التي تبدأ من الحبّ بروح الدعابة وتنتهي مع الجد ، وهو أمر لا يمكن التعرف على معانيه وتوصفه بالمعاناة فقط ، كما يقول :إن كلّ أنواع الحبّ القائمة على المنفعة الحسية تختفي بسرعة وينتهي بنهاية مرضيه ماعدا العاطفة المتأصلة في الروح ، تنتهي فقط بالموت.
نظريات عربية
لابدّ من الاشارة إلى ان عالم النفس السوري فاخر عاقل كان قبيل رحيله قد نشر في مجلة المعرفة السورية خلاصة تجربته في التربية وعلم النفس وقال: نظريتي هي أن الحبّ أساس وقوة الوجود ، وبذلك كان يرد على فرويد ونظرية الدافع الجنسي ، وبهذا يكون فاخر عاقل قد اعاد الاعتبار للنظريات العربية التي تحدثت عن الحبّ فماذا قال بعض الفلاسفة العرب ؟
– رأى أبو بكر الرازي أن الشخص مصاب بالحبّ ، وبالتالي دعا إلى ضرورة الابتعاد عنه ، حيث وجد أن الحبّ يسقط لمن لا يحالفهم الحظ ويفضلون الرغبات الحسية على الروحانية ، وكان رأي ابن سينا على غرار أبو بكر الرازي ، فإن الحبّ سبب ومرض ، وتطرق إلى كتابه «القانون» يشير إلى العلامات التي تظهر لأولئك الذين يحبون ، مثل: الهاء والارتباك ، وفساد خياله ، في بالإضافة إلى الهذيان والحماقة ، حيث قارن الحب والاكتئاب عند فصل الحبيب وتركه ؛ في حالة الاكتئاب ، تتغير الحالة النفسية للفرد من الفرح إلى الحزن ، ومن الضحك إلى البكاء أما بالنسبة لرأي ابن عربي في الحب ، فقد تمّ التعبير عنه في كيت والده غزا الميكانيكي ، وقال :إن إحدى علامات الحب هي عدم قدرة الحبيب على النوم ، وهذا الحبّ هو لنفسه ، أي أن النهاية هي الحبّ وما هو أبعد من ذلك ، وقد أعطى أمثلة في الحب ، بما في ذلك: حب قيس بن الملوح لليل ، حيث اعتاد أن يكرر اسمها واتصل بها ، وإذا كانت قد استجابت للمكالمة وطلبت منها البقاء بعيدا ، فهو مشغول بمكالمات الحبّ.
نظريات غربية
إيروس
– يستخدم مصطلح ايروس الإغريقي للإشارة إلى ذلك الجزء من الحبّ الذي يشكّل رغبة عاطفية وشديدة في شيء ما ، وغالباً ما يشار إليها على أنها رغبة جنسية ، ومن هنا جاءت الفكرة الحديثة ، في كتابات أفلاطون ومع ذلك ، يتم عقد إيروس ليكون رغبة مشتركة تسعى للجمال التجاوزي.
– يعتقد الكثيرون في عقيدة الفلسفة الأفلاطونية أن الحبّ هو قيمة أعلى جوهرياً من الرغبة الجسدية أو الجنسية ، و يشيرون إلى الرغبة الجسدية ، وهي مشتركة مع المملكة الحيوانية ، و من ثم فهي ذات ترتيب أدنى من رد الفعل و الحافز أكثر من الحبّ المستحث بعقلانية.
فيليا
– على النقيض من الرغبة المتحمسة والعاطفة للأيروس ، فإن فيليا تستلزم الولاء والتقدير للآخر ، بالنسبة لليونانيين ، لم يدرج المصطلح الصداقة فحسب ، بل امتد أيضاً إلى الولاء لعائلة ومجتمع السياسة أو العمل أو الانضباط السياسي.
– يشرح أرسطو أنواع الأشياء التي نسعى إليها في صداقة ملائمة ، مما يوحي بأن الأساس الصحيح لفيلليا هو الهدف: أولئك الذين يشاركوننا في ترتيباتنا، الذين لا يحملون أي ضغائن ، والذين يسعون إلى ما نفعله ، والذين هم معتدلون وعادلون ، والذين يعجبون بنا على نحو مناسب ونحن معجبون بهم و غيرها.
أجابا يشير إلى محبة الله للإنسان و لكن يمتد ليشمل الحبّ الأخوي للبشرية جمعاء ، كما أنه يسعى إلى نوع مثالي من الحبّ الذي هو في وقت واحد ولع ، و تم توسيع هذا المفهوم في التقليد اليهودي و المسيحي من محبة الله.
يخدعنا الحب حتى ننجب – شوبنهاور
– يأتي شوبنهاور بنظرته التشاؤمية للحياة، بالطبع فالحبّ في نظره مجرد غطاء جميل لرغباتنا الجنسية كل من قرأ عن شوبنهاور يعرف فلسفته العدمية للحياة، بل من الممكن أن تتوقّع بسهولة وجهة نظره في أي موضوع كان، فقط فكّر في أكثر الأمورغرابة واكتئاباً وستجدها في فلسفته.
– في وقت لاحق من أفلاطون بكثير، الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور أكّد أن الحبّ يرتكز على الرغبة الجنسية وأنه صورة خادعة للمتعة الحسيّة وارتأى إلى أننا نحبّ فقط لأن رغباتنا تقودنا إلى الاعتقاد بأن هناك شخصاً آخر سيجعلنا سعداء، ولكننا مخطئون بشدة تخدعنا الطبيعة كي نتكاثر، ويكتمل الاندماج الغرامي الذي نسعي إليه بولادة أطفالنا.
(لكي يبقى الفيلسوف حراً عليه أن لايقع في حبّ أحد). لكن ماذا يعني الحبّ لهؤلاء العقلانيين؟
تقول الكاتبة ميكايلا مارزانو: إن مجتمعاتنا كانت قد أعطت أهمية كبرى لاستقلالية الفرد في عصر المكننة وأعطت القيمة للعقلانية ليبدو الحبّ علامة ضعف عند الانسان، إذ بامكانه أن يعيش حياته الجنسية بشكل طلق دون الوقوع في الحب، وقد ركزت بشكل خاص على ضرورة الاخذ بعين الاعتبار هشاشة الكائن البشري، هذه الهشاشة التي يظهرها الحبّ ويجعلها عرضة للمخاطر.
هذا الاهتمام الذي يوليه الفلاسفة لمشاعر الحبّ اليوم يساهم بطريقة جديدة في فسح المجال أمام الفلسفة ماسيتيح لأنصار العقلانية أن يقولوا كلمتهم.
لورانس دي فيلاريس مسؤولة النشر في دار «سوي» الباريسية الشهيرة وصاحبة كتاب «هنات في الفلسفة» تقول: على مدى قرون حلقت الفلسفة فوق قضايا الوجودية للتفكير فيها بشكل أفضل أما الان فهي تغوص في أعماقها لتفهمها من الداخل ويعيد الكاتب فابريس أدجاج سبب الغوص في أعماق المشاعر الانسانية الى أن صيغة الحقائق بمفهومها الفلسفي لاحق لها في الوجود الا بارتفاع أسهم الحب.
إن مآسي الحروب التي عرفتها الانسانية هزت أوصال الحب كقوة كامنة للحياة، واليوم تعود الانسانية فجأة لتطرح مفاهيم جديدة للحب الذي قد يكون له ايديولوجية في متناول الجميع لا تغضب أحد لأننا عندما ننطق بكلمة حب لانقول شيئاً فهي صيغة تتقبل كل شيء كالسراب ونستطيع أن نصنع باسمها كلّ شيء وأن ندفع لفعل أي شيء باسم الحب
لقد فضل فابريس أدجاج أن يكتب كتابا عن الجنس بعنوان «عمق الجنس» إذ قال: إنني انتظر من الفلاسفة أن يقولوا :إن الحبّ شيء غامض يأخذنا..يذهب بنا فعندما يأتي الحبّ يكون إذلالا وهذه دلالة بدايته لكن ماذا سنفعل به ؟
على جواب هذا السؤال يتوقف كل شيء فعندما نحب نطرح جليا قضايا الخير،لاحظوا أننا اذا دخلنا على موقع «غوغل» نستطيع أن نقيس المشاعر التي يثيرها الحبّ خاصة الغموض الذي يحيط بهذه الكلمة حيث نجد أكثر من ملياري موضوع لتغطيتها، وصيغ الحبّ في جميع اللغات تنقلنا الى مواقع أخرى ومنها مواقع الاثارة الجنسية، كما تدخلنا في الوقت ذاته الى مواقع دينية أو مواقع دعايات لأثواب الزفاف.
أحيانا يجد الانسان نفسه غير قادر على الحبّ لكن لديه الرغبة بأن يخوض مخاطر إقامة علاقة وأن يسلم نفسه للاخر دون أن يدري ماذا يفعل وهنا نقترب من عالم علم النفس والاجتماع والبيوكيمياء ليشرحوا لنا كيف يكون الحبّ، لكن ذلك لا يكفي ونطلب من الفيلسوف أن يقوم بواجبه أي أن يقول لنا ماهي حقيقة الحبّ.
ويعترف عالم النفس كريستوف أندريه بذلك قائلاً:هناك استهلاك للخطاب النفسي أما الفلسفة فلها وقع عالمي وأفضلية على الخطاب النفسي الذي يجعل من الموضوع مركز كل شيء ويستنتج ريتشارد بريخت فيقول: ليس الحبّ مزيج هرمونات بسيطة ولا يمكن أن يفسر بدائرة عصبية تؤدي الى اللذة والى التمسك بالآخر ويبقى السؤال ماهو الحب؟ دائماً دون إجابة…
العدد: 1100 التاريخ: 21 – 6 – 2022