الثورة – عبد الحليم سعود:
رغم تعاقب الأحداث الجسام وتغيّر الظروف الدولية والإقليمية وتكالب الأعداء والمتآمرين وقوى الإرهاب على سورية، بقيت اللحظة التاريخية التي رفع فيها بطل التشرينين القائد المؤسس حافظ الأسد علم الوطن في سماء المدينة المحررة حدثاً مؤثراً ينعش الذاكرة الوطنية ويستعيد بهجة الانتصار العظيم الذي تحقق في حرب تشرين التحريرية المجيدة، حيث بقيت هذه الذكرى دائمة الحضور والتألق، وتحولت إلى نبراس يضيء طريق الأمة نحو المزيد من الانتصارات، وأمثولة تقتدي بها الأجيال العربية في مواجهة المحتل وكسر غروره المتمادي وجبروته الفارغ.
فمشهد العلم العربي السوري وهو يرفرف عالياً في سماء المدينة المحررة آنذاك اختصر كل الملاحم البطولية العظيمة التي سطّرها بواسل وصناديد قواتنا المسلحة خلال الحرب المجيدة، وتوج كل بطولاتهم وتضحياتهم المباركة، وأرّخ لعهدٍ جديدٍ لا مكان فيه لمحتل أو غاصب مهما تقادم به الزمن، فقد أسقط أبطال حرب تشرين أسطورة الجيش الذي روّج له الإعلام الغربي المضلل بأنه لا يقهر، وألحقوا به هزيمة زلزلت كيانه الغاصب، هزيمة غيرت الصورة النمطية وأعادت للأمة كرامتها وعزتها وكبرياءها إثر محطات من الانكسار والنكسة والاستسلام والسير على دروب التطبيع والتنازل عن الحقوق المشروعة.
وبالعودة إلى ذاكرة ذلك اليوم الأغر يوم السادس والعشرين من حزيران عام 1974 وقراءة بعض معانيه ورموزه سنجد تفسيراً واضحاً ومنطقياً لكل ما تلاه من أحداث وتطورات خطيرة في منطقتنا، وخاصة الحرب الإرهابية العالمية التي شنت على سورية جيشاً وشعباً وقيادةً وتراباً ودوراً وحضوراً ومكانة، حيث برزت الأصابع الصهيونية القذرة بكل وضوح في تفاصيل وتطورات هذه الحرب، من خلال الوقوف المعلن إلى جانب التنظيمات الإرهابية التي نشطت على تخوم مدينة القنيطرة انطلاقاً من الجزء المحتل في الجولان، ومن خلال الاعتداءات المستمرة على السيادة السورية من أجل رفع معنويات شراذم الإرهابيين المنهزمة وإعادة تدويرهم لإضعاف الدولة السورية وإبعادها عن هدف تحرير الجولان العربي السوري المحتل كاملاً.
الكيان الصهيوني لم يبق طويلاً خلف كواليس الحرب الإرهابية، فسرعان ما كشف عن مخططاته العدوانية المتجددة ضد سورية، وعمل على الاستفادة من خدمات الإرهابيين كعامل استنزاف لقدرات وطاقات الجيش العربي السوري، وعامل ضغط وإشغال وإلهاء للدولة السورية عن مسؤولياتها القومية، لجهة دعم القضية الفلسطينية ودعم حركات المقاومة ضد الاحتلال على طول المنطقة، وكان هاجسه الدائم أن يتم نسيان جبهة الجولان وتحرير ما تبقى من أرضه المحتلة، لذلك عمد الكيان بشكل المباشر إلى تقوية شوكة التنظيمات الإرهابية ودعمها وساندها لوجستياً وآزرها ميدانياً في أوقات مختلفة وعالج جرحاها في مشافيه، من أجل تحويلها إلى مخلب قط بيده كي تكون حارسة أطماعه المستمرة في الجولان على أمل إطالة أمد احتلاله ما أمكن.
ولكن هذه المحاولات الصهيونية الجديدة فشلت وستفشل على الدوام لأن العين السورية شاخصة باستمرار باتجاه الجولان المحتل باعتباره بوابة فلسطين، والسوريون عازمون بكل قواهم – وخاصة أبناء الجولان – على تحريره كاملاً وإعادته إلى حضن وطنه الأم سورية، ولأن الكيان الغاصب أكثر من يدرك هذه الحقيقة ويخشاها ويعمل بكل ما أوتي من قوة عسكرية وعدوان وإرهاب مستقوياً بأميركا والغرب ومسخراً العملاء والخونة والمطبعين الأذلاء لتأخير موعد أو ساعة التحرير القادمة، ولولا شعوره بالقلق على مصيره ومستقبله جراء تعاظم دور محور المقاومة في المنطقة، لما راهن على مرتزقة وإرهابيين كي ينقذوه من مخاوفه وهواجسه، وهو رهان ساقط في كل الأحوال، لأن الاحتلال زائل مهما طال أمده وأدواته آيلة للسقوط لا محالة، فهذه الأرض سبق لها أن لفظت الكثير من الغزاة والمحتلين وكانت مقبرة لهم، فأهلها المقاومون الشرفاء لا يخضعون لمحتل أو أجنبي.
نستعيد اليوم الذكرى الثامنة والأربعين لتحرير القنيطرة وقلوبنا وعيوننا شاخصة باتجاه الجولان المحتل وأهله الراسخين في أرضهم والأمل يحدونا بأن ساعة تحريره وتطهيره من رجس الاحتلال الصهيوني آتية لا ريب فيها، فصمود أبناء الجولان ورفضهم استبدال انتمائهم الأصيل أو هويتهم السورية وتمسكهم بحقوقهم وأرضهم، ومقاومتهم المستمرة لكل إجراءاته الاحتلالية وتدابيره وقوانينه التعسفية، تعطي صورة مشرقة عن الغد القادم.