الثورة -هفاف ميهوب:
آمن الروائي الأميركي “هنري ميلر” بأن “الحالة المثالية التي يجب أن يعيش فيها البشر، هي السلام، الحب، الأخوة”.. آمن بذلك لكن، ولأنه لم يجد أيّة طريقة تحقّق هذه الحالة في موطنه الأمريكي، قبِل حقيقة ما يعيش عليه أولئك الذين أشعروه بالمأساوية، والذين وجدهم “يميلون للتصرف بطريقة تخجل منها الحيوانات”، بل هم أكثر خطراً ووضاعة منها.
من قرأ “ميلر” جيداً، يدرك مقدار نقده وسخريته من الحياة الأميركية برمتها.. تلك التي أشار في أغلب رواياته، بأنها لم تمنحه إلا الحزن والتشرد والضجر، حتى في متنزهاتها التي كان يشعرها “مجرّد فراغ مُطوق ببلهاءٍ مصابين بالتخشب”.. أيضاً “أكوام إنسانية تحاول ان ترتقي بالعقل، وإن لم يكن هناك أي عقل”..
هذا وصفه، لنموذج الإنسان في بلدٍ، كرهه وفضح حقيقته، بل ووصف حضارته بأنها، حضارة مدّعية بنت أمجادها على أسسٍ واهية، سعت لحمايتها والحفاظ عليها، عبر الاعتداءات والحروب والتقنيات التي لم تغيّر حقيقة كون كلّ شيء فيها “سطحي، عديم النفع، بلا روح.. حتى جمال الجغرافيا، سقط أمام تاريخ الدماء التي بنت عليها قوتها”..
نعم، هكذا كانت أميركا بالنسبة لـ “ميلر” الذي أسماها “كابوس مكيّف الهواء”.. كابوس الحضارة التي أرّقت حتى إنسانها، وكابوس التقدم والتكنولوجيا اللذين استخدمتهما لتواكب جشعها وأحقادها، وتجاه الإنسانية والأخلاق والقيم وروح الحياة والأمم..
إنه رأيه الذي رافقه حتى نهاية حياته، وإلى أن بلغ الثمانين، وبقي يشعر بأن ما يفتقده:
“ما نفتقده في عالمنا، هو النبل، الجمال، الحب، السلام.. ذهبت أيام الأفراد العظماء، وجئنا نحن مكانهم لنربّي نسلاً من الوحوش، القتلة، والإرهابيين.. العنف، القسوة، النفاق، كل هذا يبدو فطرياً اليوم.. إنه لمن المستحيل لهذه الأضداد ألا توجد معاً، في ما يسمى بالعالم المتحضّر”…
