الثورة-فاتن أحمد دعبول:
بمآقيهم يحملون حلم الأوطان، دروبهم معبدة بالآمال يرقبونها، ويرسمون عالما متوجا بأكاليل الغار، وفي أصبوحتهم التي استضافها فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب كان اللقاء بإدارة الأديب أحمد هلال، أجيال تتكامل وقلوب تتعانق على الكلمة الصادقة، شعراً تارة وقصة تارة أخرى، يسكبون فيها فيض مشاعرهم ودفء قلوبهم، فتزهر وطنا يطال النجوم، ومقاومة يقارعون بها طغاة العالم واعتداءاتهم الظالمة.
وقد وجد المشاركون في هذه الأصبوحة فرصة للتعبير عن وقوفهم إلى جانب الوطن في حالاته جميعا، فوجدوا فيه فرصة للحب، وفرصة للتغني بمآثره، وفرصاً كثيرة لمشاركته محنته والسعي للنهوض به وإحياء صدى الكلمة المدوية فيه.
ينشد الشاعر محمد سعيد العتيق في قصيدته التي حملها كل ذكريات الطفولة ومتعة صوت الناي ورائحة الضيعة الشهية بتفاصيلها التي تسكن شغاف القلب والروح، يقول:
في الحب أذكر كم أنا طفل، وما زالت يداي تهز جزع الليل كي يفنى، لينفتح الصباح على الحقول
ووجبة الطين الشهي وطعم ضيعتنا، وأسرح خلف شاتي في الخلاء، لعل صوت الناي يحملني لمدرستي
لتنور يفت الخبز للعصفور مبتسما، لوجه الأم والجدة.
وقرأ محمد الطاهر قصة بعنوان” رسالة بطل” نقطف منها” في ساحة الإعدام، وقف القاضي الشرعي يتلو عليه قرار القصاص، بينما كان الحاج أبو صبحي يحدق في أشجار النخيل الشامخة بالساحة، فذكره بشموخ ولده صبحي، وكيف أنه قال له لو تحرك قاسيون من مكانه، فلن أترك رفاقي وأنشق عن الجيش من الجندية ..
كما قرأ أيمن الحسن قصة بعنوان” الذئب الثاني” يقول: قال جدي وهو يتنكب بندقيته ذات الأخمص الخشبي التي يدربنا عليها: في أسفل هذا الوادي ذئب كاسر، بسببه لا تستطيع أية دورية معادية أن تدخل قريتنا .. طالما بقي الذئب يحمي ظهورنا سنبقى صامدين، كنا نحس بوهج الكلمات، وهي تخرج من فم جدي، فتتقارب قلوبنا لتصبح قلبا واحدا ..
ومن أبيات الشاعر سليمان السلمان نقرأ من قصيدة” أفتتح الكلام”
باسم الدم القدسي أرفع رايتي، وأغوص في بحر اللهب، أقسمت بالأطفال، بالتاريخ، بالأفق الملفع بالغضب
إن لم يقف حجر على حجر على حجر، ونجم فوق نجم فوق نجم، ويصير نخلي مورقا بدماء أبنائي
كبارا أو صغارا، لن تحلموا يوما بأن النصر، يعبر بالديار.
ومن قصته الرمزية” الجمجمة” نقرأ للسيناريست بشار بطرس بعضا مما جاء فيها “الجمجمة التي اشتريتها من أحد حفاري القبور لتعينني على فهم دروس التشريح، الأسبوع الأول نبت لها شعر على جلد أصفر، كجلودنا، وبدأت الفقرات الرقبية بالتطاول، حتى صارت تدير نفسها باتجاه الشباك، لتتنشق الهواء النقي ..
كما شارك في الأصبوحة كل من د. ياسين فاعور، غسان حورانية، مديحة باراوي، أحمد الحسن، ونعيم ميا، ومن قصيدته “هم أبناؤك يا وطني” نقتطف:
وطني، هي الهواجس تسعى بأقدامها، تهسهس شكوكنا، تزخرف لنا الوحل ياسمينا، تأتي بالليالي
فتشرد النهارات، ويغادر الأرض عشبها، ويتغلغل الدخان، شوهوك يا وطني، جردوا جبالك من قمصانها
فتقاسمنا الأقاصي، ربطوا زماننا بألسنة اللهب، الممتد من فوهات البنادق.
ومن قصيدة الشاعرة أمل مناور نقطف بعض الأبيات:
لا تكترث بالعابرين، على امتداد الحرف في لغتي، فإني لا أريد سوى عينيك محرابا لروحي
لا أريد سواك آفاقا لما أهوى لقاه وأبتغي، إذ لا يليق سواك بي
قل لي بأنك لن تكون لأي امرأة سواي.
وفي نهاية الملتقى قدم الناقد أحمد هلال انطباعاته حول ما قدم من مشاركات، وبين أن الإبداعات سواء ما كان منها شعراً أو سرداً فإنها متنوعة على مستوى الشكل الفني وطبيعة الأغراض، من التفعيلة إلى الشكل الكلاسيكي إلى النص المفتوح في جدلية العشق، الوطن.
قصائد جهرت بانتمائها لأشكال الأدب المقاوم بثيمات متعددة وبحساسية المحكيات الشعرية، وغلب عليها التنوع، وبخصوصيات دالة على ما ينطوي عليه مفهوم الأدب المقاوم، وانفتاح الشعر ووظيفته في اللحظة السورية الفارقة، وهي في الآن نفسه عكست شواغل مبدعيها وهواجسهم للوقوف إلى جانب القضية.
كما يلاحظ الزخم التعبيري والسعي إلى التقاط المعادل الجمالي والموضوعي لأدب المقاومة، وسعى المبدعون في سردهم إلى رسم لوحة باذخة للثقافة المقاومة بأبعادها الحضارية والإنسانية، ومقاربة نبل القضية بأدواتهم ورؤاهم وتجاربهم وخبراتهم، ما يدل على وعيهم الإبداعي للتخطي وإبداع المختلف.