ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
يشتد الغيظ الغربي وترتفع وتيرة المماحكات السياسية والإعلامية، وسط تموجات من الحسابات المتأرجحة في الخيارات المفلسة، التي تعيد النبش في الدفاتر القديمة عن ذريعة لافتعال معارك في السياسة وفتح جبهات جديدة في الدبلوماسية،
بعد أن باغتتها، أو هكذا تراءى لها، التطورات غير المحسوبة.
اندلقت التصريحات شمالاً وجنوباً، ودخل الغرب في سباق متواتر لجمع ما تبقى من فتات هزائمه في الرهان على المرتزقة والإرهابيين، ومن فشل تعويله على بعض الأدوار الإقليمية التي أصابها العقم، فجاءت ردود الفعل مشتتة فاقدة لمسار سياسي يمكن التوقف عنده أو المحاججة وفق معطياته، وبرزت إلى العلن مشاهد عجز في المقاربات التي جالت بين درجات الارتباك والحيرة.
في التوصيف المبدئي يمكن استشفاف الخلاصة التي تكاد تترجمها جميع المواقف الغربية، ويعكسها خطابهم الفردي والجماعي بوضوح، وهي أنه ليس بمقدورهم أن يعدلوا من المسار، وأن كل هذا الضجيج لن يضيف إلى الجعبة ما يمكن التعويل عليه، ولا تتراءى في الأفق أي خيارات بديلة يمكن الركون إليها، وتستند في ذلك إلى حقيقة يحاول الإعلام الغربي و«البروباغندا»المحمومة أن يتجاهلها عن سابق إصرار، بأن الانتخابات شأن داخلي وهي في صلب القرار السيادي، ولا يستطيع الغرب بكل أدواته وقنوات ضغطه أن يغير في المعادلة القائمة شيئاً.
وفي التحليل الجوهري، لا يبدو الجدل حول الخطاب الغربي ومحاكاته لما يجري في سورية والمنطقة مبرراً، في ظل الـ «فوبيا» التي أصابتهم من الخطوات السورية في السياسة والميدان على حد سواء ،مهما تكن تدرجات تلك المحاكاة وما يرافقها من صراخ وضجيج، وفي بعض تجلياته عويل سياسي يصل مرتبة النحيب على شعارات الديمقراطية، التي كانت أولى ضحايا فرق الحسابات الغربية.
ولم يعد مجدياً التوقف عند الكثير من المساجلات المفتعلة وهي ترسم خطاً أفقيا على خارطة الأحداث والتطورات، وتقابلها على الضفة الأخرى إحداثيات افتراضية تمارس سطوتها على الساسة الغربيين, وتأخذ معها الكثير من المنابر الأممية في متاهات التجني والارتجالية.
فالخطاب الغربي عموماً لم يكتفِ باستنساخ المفردات التي تم تداولها أو تسويقها أميركياً فحسب، بل أيضا تعامل بحرفية مع الإضافات الفردية التي جاءت من هذا الطرف أو ذاك، وكان من الصعب التفريق بين ما تحدّث عنه بان كي مون وما ذهب إليه الإبراهيمي، في حين كانت المواقف الفرنسية والبريطانية رجع صدى للموقف الاميركي مع بعض الفروق الشكلية التي تقتضيها الزعامة الأميركية.
على هذا المنوال جاءت جميع المواقف الغربية تحت بند الاجترار القائم على ردة فعل سيطر عليها الارتباك والمفاجأة وغياب البدائل، فخرجت في معظمها إن لم يكن كلها تحت عنوان فاقد لقيمته السياسية ولم يجدِ ربطها بشكل مباشر أو غير مباشر بالعملية السياسية وبمسار جنيف، الذي كانوا الشركاء الفعليين مع الإرهابيين في تعثره وتعطيله وتأخير الحل السياسي.
وفي المقاربة الموازية لها تماماً جاء الحديث الأميركي عن «المحاكاة الساخرة» مطابقاً تماماً لنفاق سياسي كان حاضراً حتى في التفاصيل الجزئية للمقاربة الاميركية عن الديمقراطية، بعد ان أتخم العناوين العديدة التي استحضرتها واشنطن على عجل لتسطير أمر العمليات الطارئ باستنفار الأدوات والوسائل، التي سارعت بدورها إلى حشد ما يمكن من إرهابيين ومرتزقة من أصقاع العالم ومن أربع جهات الأرض.
ويأتي تباكي الإبراهيمي مع بان كي مون على مسار جنيف وكأنه مقتطع من سياقه، لكنه في نهاية المطاف يحط رحاله وسط الأجندة الأميركية، وفي منتصف خط النفاق الغربي الذي يتداول اليوم سياقات الاتكاء على ما هو متوافر، بعد أن أماط اللثام عن وجوه تخفت وراء قناع السياسة، لكنها عجزت عن الاختفاء أو الصمت، حالها في ذلك حال الجامعة العربية التي غابت دهراً، وحين نطقت جاءت بما هو أكثر من كفر النفاق الغربي ومن مجون الدجل الأممي.
a.ka667@yahoo.com