الثورة – زهور رمضان:
اعتاد أفراد المجتمع بشكل عام على الاحتفال بأعياد ميلاد أبنائهم وصنع قوالب من الكيك، وإشعال الشموع، والاستماع للموسيقا، في أجواء من السعادة والفرح، بعد لم شمل العائلة والأحباب والأصدقاء، كما اعتاد المحتفلون على شراء بعض الهدايا وتقديمها لصاحب عيد الميلاد،
ولكن هنا نطرح سؤالاً: هل علينا أن نفرح في عيد ميلادنا لازدياد عمرنا أم يجب أن نحزن لاقتراب ودنو أجلنا؟
كما درجت العادة لدى الزوجين عند اكتمال سنة من عمر مولودهم “البكر” على الاحتفال بعيد ميلاده الأول، ثم يتكرر الأمر في السنة الثانية.. فقد أصبح عمره سنتين، ويقول ماما وبابا وبعض الكلمات المتقطعة ذات النكهة الخاصة، فتبدأ مراسم الاحتفال بعيد ميلاده الثاني وتقطيع الكيك وترديد أغنية (هابي بيرث دي تو يو) ويتسابق الجميع على إحضار الهدايا، وهكذا كل عام نكرر المناسبة ونحتفل ونرقص كل حسب بيئته وطقوسه.
بيد أن الطفل حين يكبر ويدخل المدرسة ويتخرج، ورغم ذلك تستمر طقوس الاحتفال له وللمحيطين، كما يصر جميع الأطفال على الاحتفال بأعياد ميلادهم فهل هذا الاحتفال مجرد طقوس متبعة أم تقليد متوارث أم ماذا؟
وبالتالي من أين أتت هذه الطقوس الاحتفالية؟ وكيف انتقلت من الاحتفال بالآلهة للاحتفال بالبشر؟
احتفال
يقول أبو يحيى: إنه احتفل هذا العام بعيد ميلاد ابنته تاج البالغة من العمر ثلاث سنوات، واشترى لها قالباً من الكاتو مؤلفاً من ثلاث طبقات بعد كتابة اسمها على القالب بالكريما والشوكولاته، ووضع فوقه ثلاث شمعات، وساد الاحتفال جو من الفرح والأغاني والأهازيج والتصفيق، بعد عزيمة أبناء عمها وأصدقائها وجيرانها، وقام كل طفل منهم بإطفاء الشموع بدوره احتفالاً لها وغنوا لها أغاني عيد الميلاد (Happy birthday to you)
تقول أم كامل: إن ابنتها همسة التي حزن قلبها لأن أمها لم تحضر لها هدية في يوم عيد ميلادها، وهذا الأمر بقي محفوراً في داخلها وعقلها فكلما تذكرت تعاتب أمها على ذلك مجدداً.
أما محمد ص الذي أهدى زوجته رواية للكاتبة “أجاثا كريستي” في عيد ميلادها لمحبتها بالقراءة وولعها بها فقد تمنى أن تعيش بمحبة وسلام طيلة أيام حياتها وبقي يكتب لها قصائد العشق وأجمل كلمات الحب والإخلاص.
تبتسم رهف الطفلة المدللة ذات الخمس سنوات وتقول بصوت ناعم يعبر عن براءتها: إنها تعيش أجواء عيد الميلاد، وتطالب والدتها ذات الدخل المحدود أن تحيي عيد ميلادها الخامس في أيلول القادم وتصر على ذلك.
أما غزل الصبية الفتية ذات السابعة عشر ربيعاً فما زالت تحب الاحتفال بعيد ميلادها لأنها تعتبره يوماً مقدساً وتبدأ بالتحضير له قبل موعده بعدة شهور فتشتري الهدايا والبالون والعصير وغيره
ما زالت السيدة ميسون رمضان التي تجاوزت السبعة وأربعين عاماً تحب أن تحتفل بعيد ميلادها رغم أن أولادها قد أصبحوا طلاباً على مقاعد الجامعات، لكنها تحب أن يدللها زوجها وتسمع منه كلمات الغزل والمديح والإطراء.
فيما ثراء أحمد التي تحتفل بعيد أولادها ميرا وصفاء مازالت تعاتب زوجها لأنه نسي تاريخ عيد ميلادها الثلاثين واتهمته بالتقصير والإهمال، فهي لا تقبل منه أن ينساه على الإطلاق.
أصل الاحتفال
وتشير العديد من الدراسات الى أن أصل هذه الطقوس يعود إلى الحضارة الإغريقية المرتبطة بالآلهة (أرتيمس) المسماة في الحضارة الرومانية الآلهة (ديانا) وهي آلهة الصيد والقمر، وهي تشكل واحدة من ثالوث الآلهة، بالإضافة إلى (منيرفا) و(فستا) اللاتي قررن عدم الزواج، فقد كان الإغريق يصنعون الحلوى على شكل دائري تشبه وجه “البدر” ويضعون فوقها الشموع ويضيئونها ليصبح الوجه مضاءً كالقمر، وفي اعتقادهم أن الدخان المنبعث من الشموع يحمل صلواتهم ويوصلها للآلهة (أرتيمس)، كانت الحكمة من وراء الشكل المستدير لقالب الحلوى أو الكيك هو تمثيله لدورة الحياة المستمرة التي تمر بأربعة فصول متتابعة دونما انقطاع.
من الآلهة للبشر
أما بخصوص انتقال الاحتفال للبشر فتذكر الروايات أن الفضل الأول يعود للمصريين القدماء في تسجيل تاريخ المواليد من خلال دراستهم للفلك وحركة النجوم، وكان التسجيل والاحتفال مقتصرين على حكامهم الفراعنة الذين كانوا يعتبرونهم ممثلين للآلهة على الأرض ومصيرهم في أيديهم، فكانت في مثل هذه المناسبات تُقام الاحتفالات في كل مكان وتُقدم الحلوى المضاءة بالشموع في المعابد لآلهة القمر، ومع مرور السنوات الطويلة أصبحت أعياد الميلاد تقتصر على النبلاء والطبقة الحاكمة حتى وقت قريب حيث أصبح الاحتفال لكل الأفراد باختلاف انتماءاتهم ومكانتهم.
ويرى فريقٌ من الباحثين أنّ الاحتفال بعيد الميلاد للأشخاص ليس ممنوعاً أو مُحرّماً، لعدم ارتباطه بفعلٍ عقائديّ، وهو ما ذهب إليه الدكتور سلمان العودة، إذ أشار إلى أنّ الأصل في الأشياء والعادات الدنيوية أنّه مسموحٌ بها، ومأذونٌ بفعلها، ما لم يرد فيها فعلٌ يُنافي الشريعة، كما لا يُعتبر الاحتفال بعيد الميلاد
على تلك الصورة خطأ، إذ إنّ الاحتفال بعيد الميلاد موجودٌ منذ القِدم، وما يفعله الصغار من جمع أقاربهم وأقرانهم للاحتفال بذكرى ميلادهم، لا يمكن اعتباره إلّا من باب الطفولة البريئة، ولا ضير على الآباء به، إن كان الهدف إسعاد أبنائهم من دون إعدادٍ وتكلّفٍ وتصنّعٍ.
كما أن الاحتفال بعيد الميلاد الشخصي، لهو أمرٌ فرديٌ، يكون الاحتفال به محصوراً ضمن نطاق الأسرة والعائلة.. وإذا كان الناس قديماً قد احتفلوا بالآلهة كي تجعل صيدهم وفيراً وعيشهم مستقراً، وتُبعد عنهم الأعداء ومن ثم احتفلوا بالحكام الفراعنة كونهم يمثلون هذه الآلهة أو تلك، فماذا يعني احتفال الأفراد العاديين بهذه المناسبة؟
الحقيقة تكمن في الحياة البشرية التي تشابه إلى حد بعيد قالب الحلوى الدائري والمستمر فكل جيل يأتي يحافظ على استمراريته ويستمر حاملاً موروثات البشرية السابقة وتراكمات الحضارات التي أصبحت ماثلة في الفكر.