الثورة – عزة شتيوي:
منذ أكثر من ٥٤ عاماً تصافحت ١٩١ دولة على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وكانت سورية من ضمن هذه الدول التي اتفقت جميعها فوق طاولة الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام ١٩٦٨ على منع انتشار الأسلحة النووية وتكنولوجيا هذه الأسلحة، وتعزيز التعاون في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والنهوض بهدف نزع السلاح النووي من العالم، فمن يملك هذا السلاح عليه الإفصاح عنه والتعهد بنزعه، ومن لا يملكه لا يتوجب عليه التفكير بحيازته إلا لأغراض سلمية، فقد كان التخوف حينها أن يحمل عقد من الزمن حيازة ٣٠ دولة للسلاح النووي إذا لم يوضع حد دولي لهذا السلاح الفتاك.. ومنذ أكثر من ٢٧ عاماً أصبح العمل بهذه الاتفاقيه بمدة لا نهائية.. لا تهترئ مع الزمن، ولا تحتاج إلى تجديد بموجب قرار المؤتمر الدولي الذي عقد في نيويورك عام ١٩٩٥ لمراجعة معاهدة عدم الانتشار النووي.
في البداية روج للمعاهدة وكأنها المخلص الوحيد من كارثة السلاح النووي في العالم، خاصة بعد الرعب الذي سببه هجوم أميركا النووي على هيروشيما وناغازاكي، لكن مع مرور الزمن واختبار فعالية المعاهدة توضح أن الدول التي تملك هذه الأسلحة مستمرة في تكبير رؤوسها النووية وزيادتها، بل أيضاً التلميح لاستخدامها في ظروف الحرب والانسدادات السياسية كما تفعل واشنطن دائماً، فعكست المؤتمرات الاستعراضية لمراجعة هذه الاتفاقية خيبة أمل الدول التي وقعت عليها والتي لا تمتلك أسلحة نووية، لما ظهر من عدم احترام الدول النووية أي من تعهداتها بنزع السلاح النووي بل تطويره، بجانب استمرار دول وكيانات غير أطراف في المعاهدة في تطوير ترسانتها النووية بما فيها الاحتلال الإسرائيلي.
وربما كانت صيحة الصين بضرورة تطوير المعاهدة وإلزام كل الدول فيها، يتناقض مع سعي واشنطن بحسب وثائق نشرت على صفحات الجرائد بأن تكون هذه المعاهدة أبدية، وهذه الرغبة الأميركية ليست حباً بسلامة البشرية بل محاولة للهيمنة على الدول الموقعة على الاتفاقية وإلزامها بالمعاهدة، بينما تبقى أميركا والدول النووية تطور ترساناتها ولا تجد “إسرائيل” من يحاسبها على رؤوسها النووية رغم أن مؤتمر مراجعة المعاهدة عام ١٩٩٥ بحث مشروع دراسة «إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وبدأت واستمرت الدراسة حتى ١٩٩٧ دون أن تقنع كيان الاحتلال بالانضمام للمعاهدة، رغم أن مؤتمر عام ١٩٩٥ أصدر مجموعة قرارات من ضمنها مد المعاهدة لا نهائياً، وكجزء من ذلك دعا قرار حول الشرق الأوسط كل دول المنطقة للانضمام إلى المعاهدة واتخاذ خطوات عملية نحو إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، كما ألزم المؤتمر الدول المالكة للسلاح النووي “بإتمام التخلص الكامل من ترساناتها النووية”، وأكدت الوثيقة الختامية للمؤتمر “أن القضاء الكامل على الأسلحة النووية هو الضمانة المطلقة الوحيدة ضد استخدام أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية”.
واليوم بعد مرور أكثر من ٢٧ عاماً على المد اللانهائي للمعاهدة، لم يتحقق أي شيء على الإطلاق مما تم التعهد به، فلم تتحقق عالمية المعاهدة، ولا تزال “إسرائيل” كياناً نووياً مزروعاً في منطقة الشرق الأوسط، كما زرعت احتلالها في هذه المنطقة، كما أن الدول الغربية والنووية منها تسعى لتطوير قدراتها العسكرية النووية، بل وضم دول أخرى تحت غطاء النووي الأميركي.
وهنا يجدر السؤال: هل تمديد معاهدة حظر الأسلحة النووية اللانهائي والذي تبنته واشنطن في الظل والعلن دون حتى تطوير هذه المعاهدة وكأنها تصلح لكل زمان ومكان.. هل هذا التمديد هو بمثابة رخصة لأمريكا و”إسرائيل” في المضي بتطوير الترسانات النووية والتلويح باستخدامها دون أي رادع بحجة الدواعي الأمنية والسياسية، في الوقت الذي يسلط فيه حد هذه المعاهدة على رقبة الدول الموقعة عليها حتى ولو كان للاستخدام السلمي؟.
كيان الاحتلال وميدوسا الرؤوس النووية
دافيد بن غوريون، هو عراب الفكرة النووية في كيان الاحتلال الإسرائيلي، حيث وجد أنه (بوليصة) التأمين على بقاء الكيان الذي زرع وبقي متزعزعاً كون جذوره احتلاليه لا تقبلها الأرض الفلسطينية.
نشأ المشروع النووي الإسرائيلي بمساعدة بريطانية ثم فرنسية، وعند بدء التوقيع عليه رفضت “إسرائيل” التوقيع والانضمام إلى المعاهدة بدعم أميركي مباشر، لتكون الوحيدة التي لم توقع، بينما ألزمت المعاهدة كل دول المنطقة في الشرق الأوسط، وأصبح التهديد باستخدام الأسلحة النووية عادة لكل رؤساء كيان الاحتلال الإسرائيلي، كما رفض الكيان إخضاع منشآته النووية للتفتيش رغم القرارات العديدة الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تدعوه للانضمام إلى المعاهدة من دون إبطاء، وإلى عدم تطوير أو إنتاج أو اختبار أو الحصول على أسلحة نووية بأي صورة.
وكانت أميركا تصفق لإسرائيل على رفض التوقيع على المعاهدة، والأكثر من ذلك تصريحات رؤساء أميركا تجاه حيازة “إسرائيل” للأسلحة النووية، فالرئيس جورج بوش الذي أشار أكثر من مرة إلى تفهّم واشنطن امتلاك “إسرائيل” أسلحة نووية، وتصريحات الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الصّريحة، عندما رفض الإعلان عن امتلاك “إسرائيل” لسلاح نووي “خلال المؤتمر الثامن لمراجعة معاهدة حظر الانتشار في العام 2010.
كما تحدت “إسرائيل” بشكل علني ووقح قرار مجلس الأمن الدولي رقم ٤٨٧ الصادر في حزيران ١٩٨١، والذي طلب منها أن تخضع على نحو عاجل جميع مرافقها النووية لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وأصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ١٨أيلول ٢٠٠٩ قراراً يدعو كيان الاحتلال الإسرائيلي إلى التوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وفتح منشآته للتفتيش الدولي، ودعت الجمعية العامة للأمم المتحدة “إسرائيل” في كانون الأول ٢٠٠٩ إلى أن تنضمّ إلى المعاهدة عندما أصدرت قراراً بعنوان “حظر الانتشار النووي في الشرق الأوسط”، ورغم أن ١٦٧ دولة صوَّتت لصالح القرار، فإن “إسرائيل” لم ترضخ له. كما تخلّفت عن القمة النووية في العام ٢٠١٠ في واشنطن.
وتؤكّد تقارير الأمم المتحدة أنَّ “إسرائيل” لم تعطِ المجتمع الدولي أي تأكيدات عن طبيعة استفادتها من منشآتها النووية التي لم يُسمح للمفتشين الدوليين بزيارتها، كل ذلك وتحاول “إسرائيل” من باب المخادعة عدم الاعتراف بعدد رؤوسها النووية.
ليس للعالم بعد حاجة إلى تأكيد حيازة “إسرائيل” للسلاح النووي، فمفاعلها النووي “ديمونة” من أخطر المفاعلات النووية، ولكن هناك محاولات مضحكة من قبل الكيان الإسرائيلي لرشق الآخرين بتهمة حيازة السلاح النووي، بينما هو يجلس على ترسانة نووية تهدد المنطقة، ووصل كذب “إسرائيل” لدرجة أنه حتى الصحف الأجنبية تحدثت عن ذلك، قالت صحيفة “الصنداي تايمز” في أوائل التسعينيات، أن “إسرائيل” حكمت بالسجن على مردخاي فعنونو الفني الإسرائيلي لمدة ١٨ عاماً لتسريبه صوراً ووثائق تثبت أنَّ “إسرائيل” تمتلك بين ١٠٠ و٢٠٠ رأس نووي بقدرات تدميرية متفاوتة”.
وعلى هامش القمة النووية في واشنطن في العام ٢٠١٠ والتي تهرّبت “إسرائيل” من حضورها، كشفت مجلّة “جينز” للشؤون العسكرية أن خبراءها يعتبرون “إسرائيل” القوة النووية السادسة في العالم، رغم عدم اعترافها بامتلاك أسلحة نووية، واليوم تتحدث وسائل الإعلام عن وصول الترسانة النووية لإسرائيل إلى حوالي ٤٠٠ رأس نووي.