الملحق الثقافي – لينـا كيـــلاني:
لأدب الخيال العلمي لدي أهمية خاصة، فأنا بعد أن انطلقت في بدايات مسيرتي الأدبية في مجال أدب الأطفال، حتى عُرفت من خلاله وكأنني كاتبة تخصصت في أدب الأطفال، كان لاختصاصي العلمي أثره الواضح في مؤلفاتي التي تجاوزت حتى الآن (165) مؤلفاً، إذ كان يسحبني دوماً باتجاه الفكرة العلمية لأطرحها من خلال القصة الموجهة للطفل، ولو كانت معلومة علمية ما مهما كانت بسيطة.. إلا أن هذا المسار دفعني فيما بعد لأن أتوجه بشكل جاد نحو أدب (الخيال العلمي) كجنس أدبي مستقتل بذاته، فكان لدي امتداد للرواية، والقصة العلمية التي انطلقت منها.. حتى صدرت لي عدة روايات فيه كانت أولها (رواية المستقبل) التي صدرت في عدة طبعات، والتي لها السبق في كثير من منجزات علمية تحققت فيما بعد، ومازالت الرواية تحفل بما تضمه بين صفحاتها مما سيأتي به المستقبل قريباً من إنجازات علمية تتحقق على أرض الواقع.
ولو أردت أن أتحدث عن تجربتي في هذا المجال فلن أتحدث بأكثر من إشارات لما جاء في عدد ليس بقليل من رواياتي كان لها السبق التنبؤي لكثير مما أصبح واقعاً علمياً يقع تحت السمع، والبصر.. وأترك تقييم هذه الأعمال لمن يقرأ، ولمن ينقد.. إذ أن الخيال العلمي لا يمكن أن يُصنّف تحت هذا المسمى ما لم يأتِ بما يتحقق، أو يمكن له ذلك.
فرواية المستقبل هذه التي تتحدث عن هندسة الجينات للإنسان كما للنبات، والحيوان سبقت استنساخ النعجة (دوللي) وهي تتحدث عن منجزات كهذه، وغيرها كثير من الأمثلة التي أصبحت ماثلة أمامنا الآن في علم الطب، والبيولوجيا.
أما رواية (إجازة في المريخ)، أو (نداء الكوكب الأحمر)، وقد صدرت في عدة طبعات أيضاً، فقد تنبأت بهذه الانطلاقة التي تحققت مؤخراً نحو ذلك الكوكب الغامض، والغاضب بلونه الأحمر الذي يعلن عنه، حتى تمّت الإشارة إليها في الصحافة العربية كأول رواية عربية من الخيال العلمي يعيش من خلالها القارئ على سطح كوكب المريخ ليتعرف على أسراره، وقبل أن تنطلق المركبات الفضائية فعلياً باتجاهه.
ومن بعدها كانت رواية (سراب تحت الماء) الصادرة عن دار الهلال عام 1997، والتي تخيلت فيها أن قصوراً زجاجية ستُبنى تحت مياه البحار، وهو ما أصبح يتحقق الآن في أبنية من زجاج تنبت من تحت الماء.
وإذا ما أتيت على ذكر رواية (الرأس المفتوح) والصادرة عن دار سفير عام 2008 فأقول عنها :إنها كانت عند صدورها غريبة فيما تطرحه عن المفاهيم والمعطيات العلمية السائدة آنذاك، أو ربما كانت مستهجنة وأنا أتخيل أجساداً بشرية مزروعة بالرقائق الإلكترونية، ورؤوساً مفتوحة لتستقبل شريحة ذكية يمكن لها أن تجعل من حاملها إنساناً متفوقاً لا يجاريه أحد.. وهذا مما أصبح مطروحاً الآن في مسارات العلم، وما تتيحه التكنولوجيا الحديثة.
أما رواية (من أنا؟ من أكون؟) والصادرة عن دار الهلال عام 1998 فهي تتحدث عن الاستنساخ الحيوي، والذي لم يتحقق بشكل كامل حتى الآن إلا أنه قد يأتي في المستقبل كما يتنبأ به كاتب الخيال العلمي. ومثلها رواية (النبات الذي أصبح قاتلاً)، ورواية (الكهف المخبوء) والتي تغوص في أعماق الأرض في توازٍ مع رحلة في أعماق الفضاء.
أما آخر ما صدر لي من الخيال العلمي فكانت رواية (العمر الوضاء في جزيرة الفضاء) وما أظن إلا أن لها السبق العلمي لما يمكن أن يحققه البشر من حلول ذكية تبقي على الحياة البشرية إذا ما استُنفدت موارد الأرض الطبيعية بسبب التغيرات المناخية الكبيرة والجائرة بحق هذا الكوكب الأزرق الجميل.
فكما أن للعلم بريقه، وانتصاراته المبهرة فإن له إخفاقاته، وكوارثه المحتملة والمفجعة. وأغلب رواياتي تضع هذا مقابل ذاك لتكشف الوجه الآخر للعلم، وما يمكن أن يصل إليه إذا ما تجرد من الفلسفة، والضوابط الأخلاقية، والمعايير الإنسانية وهو يمضي في مساره المتصاعد نحو مزيد من الكشوفات، والاختراعات.. ولعل في الأسلحة الفتاكة التي يطورها العلم، وتستعملها شعوب ضد أخرى أكبر مثال على ما يجري في مدن هي للأذكياء مقابل مدن لا تفتقد الذكاء بل تفتقد المقدرة على مواجهة مَنْ يستخدم سلاح العلم ضدها.
إن الخيال العلمي الذي أكرّس له في أعمالي الأدبية، وتطبيقات العلم التي أرصدها بعيداً عن الخيال العلمي في روايات أخرى كروايتي (بذور الشيطان)، و(لودميلا).. إنما هي المدخل الى نسيج الرواية.. والفنية الروائية فيها تطغى على الأحداث الموجودة في كلّ منها.. فهي جميعاً روايات أدبية أولاً وقبل كلّ شيء، لها أبطالها، ومحاورها، ومفاجآتها، وعقدتها، وكلّ ما يميز الرواية ليس بمعناها الكلاسيكي، ولا بمعناها الحديث، وإنما بالمعنى الشمولي للرواية أي بخلق العالم الروائي الذي يحتوي كلّ هذه الكشوفات العلمية.
إنها روايات بشكل أساسي، وأنا تهمني هذه الناحية لأنني أكتب عملاً أدبياً تحت تصنيف الجنس الروائي لرواية (الخيال العلمي)، وبالتقنية الفنية، وبأدوات الرواية، والتي ربما كان فيها شيء من التجديد ـ وهذا ما يقدره النقّاد طبعاً ـ باعتباره أدباً عاماً محوره الأساسي نظريات العلم ضمن مقولات فلسفية وروحية.. ولا أستعرض معلومات علمية، أو أجنح نحو الفانتازيا لأن للخيال العلمي مقوماته، وشروطه التي لا يجوز بحال من الأحوال أن يحيد عنها.
إن اختصاصي العلمي أولاً، وميلي الجارف الى تتبع المنجزات العلمية، واندهاشي بالتطور السريع فيها ما جعلني أسير في هذا الاتجاه لأني وجدت فيه إضافة إلى مواكبة العصر، وأحياناً في سبقه ما يساعد على تقريب الإنسان العربي من أحداث عصره، وردم الفجوة التي سببها التخلف عن ركب الحضارة والعلم، وعدم الاهتمام بالمعاصرة.. فالفنان قادر على أن يتناول خيوطاً من وقائع عادية لينسج منها رداءً لمجتمع بأكمله.
إن الرؤية الخاصة بالأديب نحو حدث ما لا تقل أهمية عن الاختراع، والاكتشاف في العلم.. ومن هنا، وبعد اطلاعي على ما يقدّم من كتّاب معاصرين، أو من الحكايات الشعبية، والأساطير، وما شابه ذلك، عثرت على ما انتهجته في أعمالي الأدبية، وقد وجدت أن العلم يمكن أن يكون مرتعاً خصباً يكاد يفوق الخيال، والأساطير، فصممت على استثمر معلوماتي العلمية، وأن أمتلك هذه المفاتيح السحرية لأنقل قارئي الى عوالم ليست من الخيال وإن بدت كالخيال وأنا أربط بين العلم والأدب، و(أدب الخيال العلمي) الذي هو أدب المستقبل بفضاءاته الرحبة التي لا تحدها حدود يأخذني إليه بين وقت وآخر في رواية، أو قصة قصيرة.
العدد 1109 – 30- 8-2022