الملحق الثقافي – فؤاد مسعد:
الأطباق الطائرة، حرب النجوم، سكان الفضاء، مغامرات في عوالم الكواكب والمجرّات البعيدة، غزو الإنسان للفضاء، غزو الفضائيون للأرض، عابرو الزمن، الانتقال الافتراضي من مكان لآخر، الروبوتات، الذكاء الاصطناعي، عالم يحكمه الآليون، أسرار أعماق المحيطات، المتحولون، المُستنسخون، الزومبي، اللامرئيون، التخاطر، السحر، مصاصو الدماء، الفيروسات والأمصال، تجارب العلماء على البشر، اللعب في الجينات والهندسة الوراثية للإنسان، القوى الخارقة للطبيعة، الصراع بين الإنسان والرجل الآلي، اللعب في الزمن إما العودة به إلى الوراء أو السير به نحو المستقبل، السيطرة على العقل البشري، تحريك الأشياء بالنظر، الانتقال بسرعة الضوء، نهاية العالم، حيوانات وقردة تتكلم وتحارب، حيوانات عملاقة ما قبل التاريخ، حروب المستقبل مع الوحوش الغريبة .. والكثير الكثير من الموضوعات والأفكار الأخرى التي شكّلت في مجموعها الزاد الرئيسي والعمود الفقري لأفلام الخيال العلمي، التي باتت تتجاوز اليوم حدود التفكير التقليدي وتنقل المشاهد إلى عالم بعيد تماماً عن الواقع وفي العديد منها قد تعطي تصورات وملامح جادة عن المستقبل في محاولة للتفكير خارج الصندوق عبر أعمال يقدمها مخرجون يسعون ليكونوا سابقي عصرهم، معتمدين في أفلامهم على طرح فرضية مستحيلة الحدوث وخارج إطار المنطق العقلاني لكنها تتحول إلى واقع على الشاشة واقتراح مستقبلي قد يكون غير مستبعد الحدوث مع مرور الوقت، واللافت في هذه أفلام تماشيها مع التطور التقني واستخدام التكنولوجيا الأكثر حداثة مما يفتح المجال واسعاً لإنجاز خدع ومؤثرات تكون أكثر جذباً وتشويقاً وإبهاراً ما يزيد من جرعة الدهشة والإثارة.
غالباً ما تعتمد هذه الأفلام على أساس علمي يمكن الذهاب به بعيداً نحو أفق مختلفة فتتشكل حالة تعشيق بين العلم والسينما والإبداع، ولكن غير بعيد عن ذلك كثيراً ما تبث هذه الأفلام مفاهيم وأفكاراً يُراد تسريبها والسعي إلى انتشارها وتسويقها وتكريسها رويداً رويداً، وضمن هذا الإطار تشير جينا سلطان في كتابها (الحدود الإنسانية في سينما الخيال العلمي) إلى أن معظم أفلام الخيال العلمي هي من إنتاج هوليوود، مؤكدة اتسامها باتساع المفاهيم العلمية عن الكون والإنسان والبحث عن دور الإنسان في هذا الكون، وهل هو دور أساسي أم دور مكمل أم دور عبثي ليس له معنى أو قيمة تُذكر؟ .. وتقول في مكان آخر من الكتاب (تتيح أفلام الخيال العلمي حرية الإبحار في مجاهل العلاقة الملتبسة بين الإنسان والآلة، إذ تتجه إلى رؤى مستقبلية غير متوقعة، تفتح الآفاق أمام متوالية شائكة من الأسئلة الصعبة، تحرك الأفكار في فضاءات افتراضية جديدة، تستوحي سعة الكون الهائلة، ثم تلملم التفاصيل الكثيرة الصغيرة، المتشظية والمبعثرة، تعيد تجميعها في رؤية كلية شاملة، تستلهم إلغاز الصورة السينمائية، وإيحاءاتها التعبيرية العميقة الكامنة في ثناياها).
شغف التحليق في عوالم الخيال العلمي لم يتأخر عن نشوء السينما التي انطلقت مع الأخوين لوميير عام 1895، فقد رافق بداياتها حتى أنه تم عام 1902 في فرنسا إنتاج أول فيلم يندرج ضمن هذا الإطار (رحلة إلى القمر) إخراج جورج ميلييس وجاء صامتاً بالأبيض والأسود ومدته 14 دقيقة وهو مقتبس من عدة مصادر أهمها رواية (من الأرض للقمر) لجول فيرن، واستُخدِمت فيه أساليب رسوم متحركة ومؤثرات خاصة مستحدثة ومن ضمنها صورة مشهورة لمركبة فضائية تهبط على عين القمر، وتدور أحداثه حول مجموعة علماء فلك يذهبون في رحلة استكشافية إلى القمر، هذا الأمر الذي ما لبث أن تحقق فعلاً عام 1969 عبر أول رحلة مأهولة إلى القمر في التاريخ، وقد كرت السبحة بعد ذلك فقد استهوت هذه الأفلام العديد من المخرجين، وأكد الكاتب دينيس جيفورد مؤلف كتاب (فيلم التخيل العلمي) أنه حتى عام 1970 تم إنتاج خمسمئة فيلم تخيل علمي.
من أشهر أفلام الخيال العلمي في مرحلة الستينيات فيلم (2001: أوديسا فضائية) الذي كان ملهماً للعديد من المخرجين، وهو من إخراج ستانلي كوبريك عام 1968 واستلهِم جزءاً من أحداثه من القصة القصير (الحارس) لآرثر سي كلارك، واستمر العمل على الفيلم لمدة أربع سنوات وجاء نتيجة اهتمام المخرج بالحياة خارج الأرض وعلاقة الإنسان مع المكون ورغبته في إنجاز فيلم يُدهش المشاهدين .. أما في مرحلة السبعينيات فانطلقت سلسلة أفلام (حرب النجوم ـ Star Wars) ابتكار المخرج جورج لوكاس والتي بدأها بفيلم (أوبرا فضاء ملحمي) عام 1977 ، وفي العام نفسه قدم المخرج جون هايس فيلم (نهاية العالم ـ End of the World) .. أما في مرحلة الثمانينيات فقدم المخرج جيميس كاميرون فيلم (المبيد ـ The Terminator) 1984 الذي ساعد على إطلاق شهرته وأنجز جزءاً ثانياً له بعد ست سنوات، وتطور اهتمام كاميرون بأفلام الخيال العلمي التي أبحر فيها حتى قدم عام 2009 رائعته (أفاتار ـ Avatar) وقريباً سيطلق الجزء الثاني بعنوان (Avatar: The Way Of Water) معلناً عن أجزاء أخرى قادمة، ويعتبر جيمس كاميرون واحد من أهم مخرجي أفلام الخيال العلمي وسعى للتعامل مع التقنيات العصرية لتحقيق الإبهار البصري وهو من أوائل مخرجي هوليود الذين استخدموا الحاسوب في التصوير حتى أنه استفاد من دراسته لعلمي الفيزياء والفضاء فيما أنجز من أفلام.
ومن الأسماء الهامة أيضاً التي قدمت في هذا الحقل أفلاماً تركت أثرها عند الجمهور نذكر ريدلي سكوت ومن أفلامها (الغريب ـ Alien) 1979 ، (بليد رينز ـ Blade Runner) 1982 والفيلمان وضعهما معهد الفيلم الأميركي ضمن قائمته لأفضل 10 أفلام في سينما الخيال العلمي عام 2008 ، وقد غلب على أفلام سكوت موضوع الفضاء ومن أفلامه ضمن هذا الإطار (بروميثيوس ـ Prometheus) 2012 (المريخي ـ The Martian) 2015 ، (فضائي كوفينانت ـ Alien Covenant) 2017 ، أما المخرج جون كاربنتر فقدم (الهروب من نيويورك) 1981 و(ستارمان) 1984، وقدم المخرج الروسي أندريه تاركوفسكي فيلم (مطاردة) 1979 وفيلم (سولاريس) 1972 ، وأنجز المخرج الفرنسي فيلم (العنصر الخام) عام 1997 ، في حين أنجز المخرج رولاند إيميريك كل من فيلم (يوم الاستقلال ـ Independence Day) 1996 و (سقوط القمر ـ Moonfall) 2022 ، وقدم المخرج دينيس فيلنوف (Blade Runner 2049) عام 2017 و (كئيب ـ Dune) 2021 .
يضاف إلى ذلك كله أفلام الأبطال الخارقين التي قد يختلط فيها أحياناً الخيال العلمي مع الفانتازيا رغم أن لكل منهما شرطه الفني ، كما هو حال أفلام سوبرمان والوطواط والرجل العنكبوت والتي يقول عنها الكاتب المصري محمود قاسم في كتابه (سينما الخيال العلمي علم زاده الخيال) : “رغم أنها شخصيات تسبح في عالم فانتازي إلا أنها مرتبطة بالتخيل العلمي في المقام الأول، وأغلب هذه الشخصيات قادمة من الفضاء وترتبط بالأرض بين فترة وأخرى وهي شخصيات خارقة السمات تمتلك العديد من أسباب البطولة، قوية العضلات، تطير في السماء كما الطيور تسبق الطائرات والسفن وهي أغلبها فانتازية التركيب ولكنها ذات علاقة بأجواء التخيل العلمي، فهي وليدة العلوم مثل سوبرمان القادم من كوكب كريبتون الأكثر تقدماً علمياً” .
العدد 1109 – 30- 8-2022