الثورة- ترجمة ميساء وسوف
من المرجح أن إعلان شركة غازبروم في 2 أيلول الجاري أنها ستوقف تدفقات الغاز الطبيعي إلى أوروبا إلى أجل غير مسمى عبر خط أنابيب نورد ستريم 1، سيعيد أسعار الغاز الطبيعي الأوروبي نحو 100 دولار لكل مليون وحدة حرارية، وهو مستوى قياسي تم تحديده الأسبوع الماضي.
جاء الإغلاق لغازبروم بسبب الصيانة، في اليوم نفسه الذي قالت فيه دول مجموعة السبع إنها ستفرض سقفاً لأسعار النفط الروسي، وسيؤدي إغلاق نورد ستريم 1 إلى فرض تكاليف أعلى على المستهلكين والصناعات الثقيلة في القارة. لكنها ستوجه ضربة قوية بشكل خاص لقطاع الأسمدة المحاصر في أوروبا، والذي أغلق بالفعل ما يصل إلى 70% من طاقته الإنتاجية بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، ومع إغلاق المزيد من المصانع، أصبح الواقع الصعب لأزمة الطاقة في أوروبا واضحاً، ما بدأ كأزمة طاقة تحول إلى أزمة أسمدة وستتحول قريباً إلى أزمة غذاء.
في تموز الماضي، عندما كانت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية أقل بكثير من المستويات الحالية، قدرت الرابطة الدولية للأسمدة أن الصراع في أوكرانيا إلى جانب انخفاض استخدام الأسمدة بسبب ارتفاع التكاليف يمكن أن يؤدي إلى خسارة ما يقرب من 2% من إنتاج الذرة العالمية، القمح والأرز وفول الصويا، لكن الرابطة توقعت أيضاً أن العديد من البلدان في إفريقيا، وكذلك دول أخرى، بما في ذلك المكسيك، يمكن أن تشهد انخفاضاً أكبر في إنتاجها الغذائي.
حتى الانخفاضات الطفيفة في إنتاج الحبوب يمكن أن تؤدي إلى زيادات كبيرة في الأسعار، حيث تتطلب الحبوب الأربعة الأكبر، الذرة والقمح والأرز وفول الصويا، مدخلات كبيرة من الأسمدة القائمة على الأمونيا. سيؤدي ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بسبب إغلاق نورد ستريم إلى زيادة تكلفة إنتاج الأسمدة في أوروبا، لأن حوالي 70% من تكلفة إنتاج الأسمدة هي سعر الغاز الطبيعي.
وفقاً لمجموعة CRU ، يخسر منتجو الأسمدة في المنطقة حوالي 2000 دولار لكل طن من الأمونيا التي ينتجونها، (الأمونيا مادة كيميائية أساسية لصناعة الأسمدة). ونظراً للاقتصاد الرديء، يقوم المنتجون في جميع أنحاء القارة بإغلاق مصانعهم، وقد أدى ذلك بدوره إلى ارتفاع أسعار الأسمدة.
في أوائل عام 2021، كلف طن الأمونيا المزارعين في أوروبا الغربية حوالي 250 دولارا للطن، ويتم بيع الأسمدة نفسها اليوم بحوالي 1250 دولاراً للطن، وقد ترتفع هذه الأسعار.
قال جون هاربول، رئيس شركة ميركاتور للطاقة ومقرها دنفر، وهي شركة تقدم خدمات وساطة الغاز الطبيعي لقطاع الأسمدة: إن إنتاج الأسمدة “انتهى بالنسبة لأوروبا” لأن المنتجين لا يستطيعون جني الأموال بأسعار اليوم، يعتقد هاربول أن إغلاق نورد ستريم 1 سيؤدي إلى زيادة كبيرة في سعر الغاز في مركز TTF سوق العقود الآجلة التجاري في هولندا.
أضاف هاربول أن سعر الغاز الطبيعي للعام المقبل عند TTF هو عند السعر الفوري الحالي أو أعلى منه. وهذا يعني أن منتجي الأسمدة الأوروبيين ليس لديهم سبب وجيه بأنهم سيكونون قادرين على جني ربح من منتجاتهم في أي وقت قريب، وقال “لن يكون هناك المزيد من صادرات الأسمدة من أوروبا”.
إضافة إلى فقدان إنتاج الأسمدة في أوروبا، بدأت الصين في تقييد صادرات الأسمدة منذ حوالي عام، وبدأت روسيا في الحد من صادرات الأسمدة في آذار. تنتج روسيا، التي تزود المحاصيل كل أنواع المغذيات تقريباً، حوالي 50 مليون طن من الأسمدة سنوياً، أو حوالي 13% من إنتاج الأسمدة العالمي، أضف إلى حقيقة أن صادرات الحبوب من روسيا وأوكرانيا قد انخفضت أيضاً، وأصبحت أزمة الغذاء التي تلوح في الأفق أكثر وضوحاً.
في تقرير آخر صدر في تموز الماضي، حذرت الرابطة الدولية للأسمدة من أن استخدام الأسمدة العالمي قد ينخفض بنسبة 7% هذا العام ، وأن النقص في استخدام الأسمدة في أفريقيا جنوب الصحراء قد يصل إلى 23% مقارنة بعام 2021.
منذ حوالي أسبوعين، قال ايكونومي اديسينا، رئيس مجموعة بنك التنمية الأفريقي: إن إفريقيا “تواجه الآن نقصاً لا يقل عن 30 مليون طن متري من الغذاء، خاصة القمح والذرة وفول الصويا المستوردة من روسيا وأوكرانيا”، وأضاف: “تكافح إفريقيا للتخفيف من حدة المجاعة التي قد تدفع بحوالي 30 مليون أفريقي “إلى ما وصفه أديسينا “بمستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي”.. وتابع: “يمكن أن يؤدي ذلك إلى تعميق الضغوط الاقتصادية والاضطرابات السياسية”.
بينما يشعر القادة الأفارقة بالقلق من المجاعة والاضطرابات المدنية التي تلوح في الأفق، يتعين على القادة الأوروبيين الاختيار بين التفكير في الإمدادات الغذائية المستقبلية والحفاظ على دفء شعوبهم هذا الشتاء.
وقال هاربول: “لا تستطيع الدول فرض إنتاج الأسمدة لأنها قلقة للغاية بشأن وجود ما يكفي من الغاز الطبيعي لتدفئة المنازل، عليهم الاختيار بين إنتاج الغذاء في المستقبل والتدفئة وسيختارون التدفئة”.
هناك الكثير مما يمكن كتابته عن أزمة الأسمدة والغذاء الآخذة في الظهور، ويبدو أن إغلاق نورد ستريم 1 ليس سوى أحدث تطور في فترة من المرجح أن تكون مستمرة من ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانعدام الأمن الغذائي وحتى المجاعة لعشرات الملايين حول العالم.