” سنوات قليلة فقط “

من أبسط مبادئ التربية خلق عالم طفولي خاص بالأطفال يتجمعون فيه بعضهم مع بعض، يتبادلون المشاعر، والأفكار، وتتفتح أذهانهم، وربما مواهبهم أيضاً، ليس بشكل معزول عن عالم الكبار وإنما بإشرافهم طبعاً، وتوجيههم، واختيار ما هو مناسب لهم.

هذا الجو قد يتوفر جزئياً في المدارس، وبشكل رديء في التجمعات السكانية الصغيرة حيث يلعب الصغار في الشوارع، أو في باحات الأبنية، وهو يتوفر بشكل سليم في المنظمات الخاصة بالأطفال، أو في النوادي الطفولية، وربما في نوادٍ للكبار وفي أقسام مخصصة للصغار.

وبما أن مثل هذه المناخات محدودة لدينا فإن مسؤولية الأهل تصبح أكبر في مثل هذه الأحوال، إلا أنه مما يؤسف أن بعض الأهل رغم أنهم متعلمون، وعلى درجة من الوعي يُدمجون أبناءهم بعالم الكبار إلى درجة أن المرء يستغرب اصطحابهم إلى المقاهي، وأماكن اللهو والغناء، فلايلبث هؤلاء الصغار أن يندمجوا هم بالتالي في الأجواء من حولهم بشكل رديء، بل وممسوخ في الوقت الذي يجب عليهم ألا يروا فيه ما يرونه، وألا يسمعوا فيه ما يسمعونه، وألا يشاركوا في حلبات لهو الكبار من حولهم لأنه هذا مما يفسد توجههم نحو المستقبل، ويحرمهم من فرص نموهم الطبيعي كأطفال، بالإضافة إلى الإساءة النفسية التي تلحق بنفوسهم الغضة فتشوهها، وتعرضها للأذى ربما.. ومن المؤسف أيضاً أن نرى طفلات صغيرات كبراعم الورود يحاولن أن يتثنين مع أنغام الرقص على مواقع التواصل الاجتماعي، وهن يقلدن الراقصة المحترفة، وقد تصحبهن في هذه الجولة على المواقع أمهاتهن تأكيداً، واستحساناً لما تفعله صغيراتهن.. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى للصغار عموماً.

وهذا في الوقت نفسه لا يعني عزل الطفولة عن الوسط الاجتماعي العام، ولكن الرعاية، والعناية التي يجب أن يتلقاها الأطفال لا تنحصر في طعامهم، ولباسهم، وإمدادهم بالنفقات التي يطلبونها، وإنما بتوجيههم نحو ما ينفعهم في دائرة أعمارهم الغضة، كما تنمية المواهب وتشجيعها، وبما يتناسب مع الوضع الاجتماعي، والاقتصادي لكل أسرة.. والمكتبات العامة، والمراكز الثقافية تستطيع أن تزود بالكتب، وأن تستضيفهم للمطالعة، وهي تشجع على عادة القراءة في استعاضة عن هواتف آبائهم، وأمهاتهم التي كادت تلتصق بأيديهم لتسحبها منها.

ليست الحضارة، ولا الحرية تعني إعطاء الأطفال كل ما يطلبونه لأنهم بالطبع لا يعرفون سوى الإلحاح على تلبية رغباتهم.. والحضارة ليست قشوراً زائفة وإنما هي تدرّج منذ الصغر في مراتب القيم، والعلم، والمعرفة، وامتلاك أسباب هذه الحضارة في فهم مكوناتها من جميع الجوانب.

يخطئ من يظن أن الطفل إنسان صغير لأنه في هذه المرحلة العمرية مختلف تماماً عن الكبير، فهو كائن له عالمه الخاص، وشبكة اتصاله بالمحيط الخارجي، وطريقة تلقيه لاهتزازات هذه الشبكة القائمة على الفعل، والانفعال فقط.

أما ذهنية هذا الكائن فهي كصفحة بيضاء، أو كالعجينة التي يرتسم فوقها كل خط مهما كان دقيقاً، لا لأن هذا الصغير يريد ذلك بل لأن تكوينه كذلك.. والكبار لا يشعرون غالباً كيف يتلقى صغارهم هذه التأثيرات التي تحفر مجراها في عقولهم، أو في نفوسهم.. وليس جديداً أن أقول كما أشار العلماء إلى أن الشخصية الإنسانية كلها تبنى في السنوات الأولى من العمر.. فأي أهمية إذن يجب أن نوليها لهذه السنوات المبكرة، وخاصة إذا ساد الظن بأن احتياجات الصغير لا تتعدى كما ذكرت توفير شروط الحياة من طعام، وشراب، ونوم، وغير ذلك.

وحتى الأسئلة التي يوجهها الصغار في هذه المرحلة ذات السنوات القليلة فهي ذات أهمية خاصة لأنها تحدد منظورهم إلى العالم.. ويبدو من الصعب جداً اقتلاع القناعات التي تشكلت في عمر غض طري.

أما ما يمكن أن يغرس في هذه الأرض الطرية من لمسات أدبية، ومن قيم جمالية، وأخلاقية فإنما يتم عن طريق القراءة التي تمارسها الأم، أو أي من أفراد الأسرة من كتب مبسطة، وجيدة المحتوى تشحن خيال هذا الصغير ليبدأ بتحليقه مثل طائر يجرّب جناحيه، وكما تُبذر بذور الخير، والمحبة، والجمال التي ستنبت فيما لو فعلنا خلال المراحل الآتية من العمر.

فلنحمِ إذن الصغار في سنواتهم الأولى حتى لا يتأثر حصاد السنين فيما بعد.

 

 

* * *

آخر الأخبار
باحثون عن الأمل بين الدمار.. إدلب: إرادة التعلم والبناء تنتصر على أنقاض الحرب  إعلان بغداد: الحفاظ على أمن واستقرار سوريا واحترام خيارات شعبها للمرة الأولى.. انتخابات غرفة سياحة اللاذقية ديمقراطية "الاتصالات " ترفع مستوى التنسيق  مع وسائل الإعلام لتعزيز المصداقية مياه " دمشق وريفها: لا صحة للفيديو المتداول حول فيضان نبع الفيجة  "موتكس" يعود كواجهة لمنتج النسيج السوري إطلاق الوكالة الأولى للسيارات الكهربائية بسوريا وتوريد أول 500 سيارة  ورشة العدالة الانتقالية توصي بتشكيل هيئة ومعاقبة المتورطين بالجرائم  "بطاطا من رحم الأرض السورية"..  مشروع وطني يعيد تشكيل الأمن الغذائي   مشاركون في قمة بغداد: مواصلة دعم سوريا ورفض أي اعتداءات  الوزير الشعار "يطمئن" على معمل الليرمون  بعثة طبية لـ"سامز" تستهدف عدة مستشفيات في سوريا الشيباني أمام قمة بغداد: سوريا لجميع السوريين ولا مكان فيها للتهميش أو الإقصاء البنك الدولي: سعداء بسداد متأخرات سوريا ومجال لإعادة التعامل  بمشاركة سوريا.. انطلاق أعمال القمة العربية الـ 34 في بغداد  ArabNews: فرصة تاريخية لانطلاقة إيجابية في بلاد الشام م. العش لـ"الثورة": قطاع التأمين سيشهد نقلة نوعية تطوير مهارات مقدمي الرعاية الاجتماعية في درعا   تحت إشراف مباشر من محافظ السويداء، عدد من طلبة السويداء يتوجّهون اليوم إلى جامعة "غباغب"..   كيف يواجه الأطفال تحديات التكيف بعد سنوات من اللجوء؟