الملحق الثقافي- ديب علي حسن :
من المفارقات المؤلمة في المشهد العربي بألوانه السياسي والثقافي والعلمي والاجتماعي والاقتصادي أنه عكس تطور الحياة والعالم ..العالم يزداد قدرة على التواصل والتفاعل بغض النظر عما في هذا من غموض .. والوطن العربي مع كل فورة تقنية يزداد تشظياً ..لن ندخل في أبواب المشهد السياسي، ولنقف عند تخوم الثقافة .. أبو الطيب المتنبي من العراق إلى سورية حلب إلى مصر إلى وإلى.. أبو العلاء المعري من المعرة إلى العراق ..وابن عربي من المغرب إلى دمشق ..لا حدود للحركة والتنقل ولن نبعد كثيراً قبل بضعة عقود حين كان يصدر كتاب في أي عاصمة عربية يصل إلى معظم المدن العربية الأخرى ولو تأخر قليلاً ..بل ستجد الكثير من المطبوعات ممهورة بختم يقول وصلت بالطائرة.. اليوم بالكاد يصل الكتاب من حي إلى آخر ..العوائق في القطر نفسه في المدينة نفسها .. انعزال وقوقعة هذا المشهد الأول ناهيك باجترار الماضي وعدم القدرة على التجديد وانسلاخ المثقف والمفكر عن بيئته التي يجب أن يكون صوتها وضميرها .. القطرية والانعزالية في الطروحات، ونبش ما يفرق لا ما يوحد.. الانغماس في أتون الثقافة الاستهلاكية وفورة الإنترنت التي يجب أن تكون عامل قوة وجذب ولكنها على العكس تماماً .. في كل مشهد ثقافي عربي تيارات تتصارع لا تتحاور لا تتكامل تهدم لا تبني ..لا تفكر نقدياً ..المصلحة الآنية السريعة هويتها .. لسنا بخير بثقافتنا، وهذا انعكاس لواقع سياسي واجتماعي عام ..ولكنه يصل بنا إلى الخراب ..شبابنا في لجة التيه لا يعرفون بوصلة الغد ما يعني أننا أمام جيل هجين لا تهمه أي قيم ولا قضايا .. المشهد لايسر أحداً وكل يعزف نشازه ويا للأسف سيكون النشاز كبيراً وضخماً ندفع ثمنه .. نتوق لثقافة تتفاعل نتحاور تتكامل تبني الإنسان لا ثقافة أشتات تتنابذ تفرق ولا توحد تزرع الكره حتى بين أبناء الوطن الواحد ..نريد ثقافة أبي فراس الحمداني والمعري والمتنبي والشريف الرضي ..نريد ألقنا الذي كان ذات يوم.
العدد 1112 – 20- 9-2022