الثورة – يمن سليمان عباس:
تمر هذه الأيام ذكرى رحيل واحد من أشهر شعراء العالم في القرن الماضي.. الشاعر بابلو نيرودا الذي ترجم إبداعه إلى معظم اللغات العالمية، واستحق نوبل للآداب بجدارة.
وهو صاحب أجمل مذكرات أدبية – أشهد أني قد عشت – مذكرات فيها روعة الكتابة والاعتراف.
في محطات إبداعه وحياته كما تقول الموسوعة الحرة أنه
بدأ إبداعاته الشعرية بالظهور قبل أن يكمل بابلو عامه الخامس عشر، وتحديداً عام 1917، وفي عام 1920 اختار لنفسه اسماً جديداً، وكان اسمه ريكاردو اليسير نيفتالي رييس باسولاتو
هو بابلو نيرودا، في عام 1921 قرر السفر إلى سانتياغو حيث استقر هناك في بيت الطلبة لاستكمال دراسته في اللغة الفرنسية التي كان يجيدها مثل مواطنيها، وفي نفس هذا العام اشترك في المظاهرات الثورية التي اندلعت في البلاد آنذاك، وفي عام 1924 يهجر نيرودا دراسة الفرنسية ويتخصص في الأدب، ويكتب ثلاثة أعمال تجريبية، وذلك قبل أن يبدأ رحلة تعيينه سفيراً في العديد من البلدان تنتهي بسفارته في الأرجنتين عام 1933 أي بعد زواجه من الهولندية الجميلة’ ماريكا’ بثلاث سنوات والتي انتهى زواجه منها بإنجاب طفلته مارفا مارينا التي ولدت في مدريد في الرابع من أكتوبر عام 1934، وفي نفس العام وتحديداً بعد شهرين تزوج نيرودا من زوجته الثانية ديليا ديل كاريل الأرجنتينية الشيوعية والتي تكبره بعشرين عاماً، ورغم كونه عمل سفيراً في العديد من الدول الأوروبية إلا أن ذلك لم يزده إلا إصراراً على أن الشيوعية – التي اندلعت شرارتها في روسيا – ليست سوى المنقذ الحقيقي والحل السحري لكل المشكلات ورغم المتاعب التي سببها له هذا الاتجاه السياسي إلا أنه ظل متمسكاً به إلى حد استقالته من عمله الدبلوماسي.
توفي والده عام 1938 وزوجته الأولى عام 1942 ثم يأتي عام 1968، ويمرض الكاتب بمرض يقعده عن الحركة، وفي 21 تشرين الأول 1971 فاز نيرودا بجائزة نوبل في الأدب، وعندما عاد إلى شيلي استقبله الجميع باحتفال هائل في استاد سانتياغو ويكون على رأس الاحتفال الرئيس سلفادور الليندي الذي لقي مصرعه بعد ذلك خلال الانقلاب الذي قاده بينوشيه.
وعندما قتل الانقلابيون الرئيس أليندي جاء جنود بينوشيه إلى بيت بابلو نيرودا وعندما سألهم الشاعر ماذا يريدون قالوا له: جئنا نبحث عن السلاح في بيتك، فرد قائلاً: إن الشعر هو سلاحي الوحيد. وبعدها بأيام توفي نيرودا في 23 أيلول 1973 متأثراً بمرضه وبإحباطه من الانقلابيين، حتى إن آخر الجمل ولعلها آخر جملة في كتاب سيرته الذاتية: «أعترف أنني قد عشت» (تُرجم للعربية!) كانت: «لقد عادوا ليخونوا تشيلي مرة أخرى».
من قصائده:
كأن حتى عظامي عطشى لعظامك.
عطش لك، إكليل شنيع وحلو.
متعطش لك أن يعضني في الليل مثل الكلب.
العيون عطشانة ما عينيك.
الفم عطشان ما هي قبلاتك.
الروح تحترق من هذه الجمرات التي تحبك.
يحترق الجسم حياً ويجب أن يحرق جسمك.
من العطش. عطش لانهائي. العطش الذي يطلب عطشك.
وفيه يبيد كالماء بالنار
أحبك هنا…
أحبك هنا.
في أشجار الصنوبر المظلمة، تفكك الريح نفسها.
القمر يحترق فوق المياه المتجولة.
يذهبون في نفس الأيام يطاردون بعضهم البعض.
يتكشف الضباب في الشخصيات الراقصة.
نورس فضي ينزلق من غروب الشمس.
في بعض الأحيان شمعة. النجوم العالية والعالية.
أو الصليب الأسود لسفينة.
أحيانًا أستيقظ مبكراً وحتى روحي رطبة.
البحر البعيد يدوي.
هذا ميناء.
أحبك هنا.
أنا هنا أحبك وعبثاً يخفي عنك الأفق.
ما زلت أحبك وسط هذه الأشياء الباردة.
أحياناً قبلاتي تذهب في تلك القوارب الجادة،
التي تمر عبر البحر حيث لا تصل.
أنا بالفعل أبدو منسياً مثل هؤلاء المراسي القديمة.
الأحواض حزينة عندما ترسو بعد الظهر.
إن حياتي الجائعة بلا فائدة منهكة.
أنا أحب ما لا أملك. أنت بعيد جداً.
يكافح ضجرتي مع الشفق البطيء.
لكن الليل يأتي ويبدأ في الغناء لي.
القمر يحول حلمه الساعي.
إنهم ينظرون إلي بأعينكم أكبر النجوم.
وكيف أحبك يا أشجار الصنوبر في مهب الريح
يريدون غناء اسمك بأوراقهم السلكية
“لا أحبكِ كما لو أنكِ وردة من ملح،
أو حجر ياقوت، أو سهم من قرنفلات تشيع النار:
أحبكِ مثلما تحَبّ بعض الأمور الغامضة،
سراً، بين الظل والروح.
أحبكِ مثل النبتة التي لا تزهر
وتخبئ في داخلها ضوء تلك الزهور
وبفضل حبكِ يعيش معتقاً في جسدي،
العطر المكثّف الطالع من الارض.
أحبكِ دون أن أعرف كيف، أو متى أو أين،
أحبكِ بلا مواربة، بلا عُقد وبلا غرور:
هكذا أحبكِ لأني لا أعرف طريقة أخرى
غير هذه، دون أن أكون أو تكوني،
قريبة حتى أن يدكِ على صدري يدي،
قريبة حتى أني أغفو حين تغمضين عينيكِ…”.