الثورة – رفاه الدروبي:
ولدت الشاعرة أميمة إبراهيم في حمص ذات صباح ربيعي المصادف لعيد الأم، ثم درست في مدارسها، وتناغمت خطواتها مع حجارتها السوداء ونسيمها المنعش في أماسي الصيف وضباب شتاءاتها المفعمة بالألفة والمحبة.كانت طفلة حالمة ومازالت، إذ شاب الشعر وما شابت الأحلام، ولا انطفأت جذوتها في الروح الباحثة دائماً عن ضوء ونجم وفضاءات بلا حدود، عاشقة للمطالعة، لا توفِّر كتاباً يقع بين يديها إلا وتقرؤه، وكان لمكتبات مدرسة الشعلة، وثانوية الغسانية بحمص فضل كبير عليها لا تنكره، إضافة إلى دور مدرسي ومدرسات اللغة العربية في حياتها، ما جعلها تتلمَّس طريق الكتابة بدايةً من خلال موضوعات التعبير، ومالبثت أن راحت تخطُّ أولى الخواطر والقصائد، تلتها مشاركات أدبية من خلال الأنشطة الثقافية المختلفة.
نون النسوة
يبدو في كتاباتها عموماً نفسٌ أموميٌّ يظهر واضحاً، نراها تكتب بصيغة المؤنث معتزة بنون النسوة وتاء التأنيث في توازن إنساني، تبحث عنه كي لا تحيد عن صوابه. كان للطبيعة والأمكنة والناس دورٌ مهمٌّ وأثر بارز في كتاباتها، باعتبارها طرقت باب أوجاع المرأة في الحرب بل آلام الجميع وقاربت الأمر بطريقة رمزية غير مباشرة.انقطعت أميمة فترة عن الكتابة للأطفال حتى لا تنقل لهم وجعها ومراراتها وعذابات البلاد والعباد، ثم استطاعت الدخول في موضوع الحرب والفقدان والأسى والكتابة لهم بلا خوف، مُعتبرةً أنَّهم ليسوا صغاراً بل سيكونون أقوى وأشد انتماء للوطن، كما ترك فقدانها لأخيها ندبة كبيرة في وتين فؤادها ووشماً مؤلماً وصاعقاً فكأنَّه تبخَّر في الهواء، ولم يكن يوماً يضجُّ بالحياة، كان أوَّل ما كتبته في الأيام الأولى لفقدانه:
قلبي قبَّرةٌ تنوءُ بالوجع
والبرد شديد
ألديك ماء وغطاء وكسرة خبز
اختلفت كتاباتها عن كل ما كانت عليه سابقاً، فما مررنا به لوَّن كلَّ مفردات حياتها بسواد أو بياض أو ألوان قزحية حسب الحالة والأيام، لكنَّها أبداً ما فقدت بوصلة الأمل ولا أغمضت عينيها عن بارقات الضوء في الليالي الطوال.
ما خطَّته يمينها
كتبت الشعر والنصوص السردية وأدب الأطفال والشعر المحكي أحياناً، فصدر لها في مجال الشعر عشرون مطبوعاً مناصفةً بين الشعر وأدب الأطفال.أما دواوينها الشعرية وعناوينها: “مقام للحزن مقام للفرح، نايات القصيدة غزالات الروح، هودج الياقوت مختارات شعرية مترجمة إلى الفرنسية، سرير الغيم، طفلة ومدينة ونشيد، على ضفاف المجاز” تصدر قريباً.أمَّا في مجال أدب الأطفال فصدر لها: “كيف صارت الأحلام حكايا، أسرار الأم والقمر، على جناح قوس قزح، غيمة وأغنية، لسنا صغاراً، الرسام الصغير، الشجرة المدهشة، من حكايات جدتي، القمر ينسج كنزة، قريبتي ساحرة”.. وهناك أعمال عدَّة متنوِّعة تنتظر فرصتها لتخرج إلى النور.
بين مدينتين
تاهت خطواتها بين مدينتين: دمشق وحمص؛ لكن كلّ ياسمين الشام ما عوَّضها عن ياسمينة بيتها في واسطة العقد فبعض الأمكنة تسكنها وتسكننا، وترمي بحبالها على أكتافنا، ربَّما كي تقيُّدنا وربما كي تنقذنا، بينما وقعت في دائرة النار بين المدينتين في مجموعتها الشعرية: “طفلة ومدينة ونشيد”، وكانت سوريا تسكن تضاريس قلبها النابض بالحب، وكثيراً ما كانت تُردِّد دائماً: إنَّ جناحين لها الأول للشعر والآخر لأدب الأطفال بهما حقَّقت توازناً، وحلَّقت في عوالم تمدُّها ببعض القوة وبكثير من الحب لوطن متماسك بكل مكوناته واتجاهاته، فالحب يمنحها طاقةً إيجابية وشغفاً لابدَّ منه كي تتابع السير في دروب قصائدها وحكاياتها.
كانت فرحتها بلا ضفاف يوم طارت قصائدها متجاوزة حدود البلد، مترجمةً إلى الفرنسية. فامتدت فضاءات الروح على اتساع المدى وهي ترى كلماتها تُحلِّق في عوالم بعيدة، ما يعني مزيداً من العمل والشغف والحب كي تكتحل القصيدة بكحل جمالها وفيض مكوِّناتها، كذلك تمَّت بعض الترجمات إلى الإيطالية والإسبانية في فترات لاحقة كوسام تعتزُّ به.
وماذا بعد..
لايزال الحلم مُتوهِّجاً في حياتها، ويحذوها أمل كبير بأنَّ ترى سوريا تنعم بالسلام والأمان، وقلوب أبنائها عامرة بالحب والسكينة، كما أرَّقها جرح قضَّ مضجع قلبها بآهات الغياب بعد أن فقدت الأمل بعودة أخيها فأنشدت:
سلام سلام سلام
للمدى الناهض على زرقة الوقت
سلام لمئذنة في حيّنا
واءمت حنين جرس في كنيسة
سلام
سلام سلام سلام
لكم ….للبلد… السلام.