الثورة – عبد الحليم سعود:
كان لافتاً خلال الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة الإشارة إلى القضية الفلسطينية ولو بشكل رمزي، إذ سيطرت الصراعات الدائرة حالياً والملفات التي تشغل بال العالم على خطابات معظم الوفود المشاركة، في حين تمادى رئيس حكومة الكيان الصهيوني في سرد الأكاذيب لتضليل العالم حول “رغبة” كيانه بالسلام و”إيمانه” بحل الدولتين، ليرد عليه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بأسئلة مؤثرة وموجعة حول ما إذا كان الكيان الذي يمارس أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني ويحتل أرضها ويواصل سرقتها بمشاريع استيطانية جديدة مؤهلاً للعب أي دور في عملية السلام المزعومة.
هو شكل من أشكال إبراء الذمة مارسته دول منحازة للكيان الصهيوني كالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وغيرهما بشأن الدعوة إلى حل الدولتين – العبارة التي تم استخدامها كثيراً منذ مبادرة السلام العربية عام 2002 – وكأنه بقي أي شيء للفلسطينيين ليقيموا عليه دولتهم المنشودة، إذ لم تتوقف المشاريع الاستيطانية الصهيونية التي تلتهم أراضي الفلسطينيين في القدس وباقي أراضي الضفة الغربية لحظة واحدة منذ اتفاق أوسلو “سيء الذكر”، حيث تتنافس حكومات اليمين المتطرف وكذلك اليسار – إن وجد – على إرضاء خواطر المستوطنين وكسب ودهم عند كل محطة انتخابية – وما أكثر المحطات الانتخابية في الكيان المأزوم – حتى باتت المستوطنات الصهيونية وجدران الفصل العنصري التي تمت إقامتها في مناسبات عديدة دولة صهيونية أخرى ضمن “الدويلة” التي وُعد بها الشعب الفلسطيني المظلوم.
من الواضح والمؤكد أن أي كلام عن حل الدولتين من أي جهة صدر هو مجرد نفاق سياسي ولعب بعامل الوقت لفرض الأمر الواقع على الفلسطينيين الذين يتم التنكيل بهم وبحقوقهم دون أي رادع أخلاقي أو إنساني أو دولي، فالدولة التي تزعم رعايتها للسلام في المنطقة هي أكثر دولة في العالم تشن الحروب وتتدخل في شؤون الدول الأخرى وتبيع الأسلحة المتطورة والحديثة للكيان المعتدي والمحتل والغاصب في مفارقة لا يقبلها عقل أو منطق أو قانون.
لقد كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس محقاً تماماً حين رمى الكرة في ملعب الدول الغربية وسماها بالاسم، وحمَّلها المسؤولية المباشرة والتاريخية عن معاناة الشعب الفلسطيني المستمرة، وعن ضياع حقه في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة، منذ وعد بلفور المشؤوم وصولاً إلى حدث النكبة الإجرامي وباقي الأحداث والجرائم والارتكابات التي تمت ممارستها ضد الفلسطينيين لسرقة أراضيهم وتشريدهم في بقاع الدنيا، فكل القرارات التي صدرت عن المجتمع الدولي والمنظمة الدولية بشأن إنصاف الشعب الفلسطيني ومنحه حقوقه المشروعة بقيت حبراً على ورق، إذ لم ينفذ منها قرار واحد سوى إنشاء الكيان الغاصب على حساب حقوق الفلسطينيين، لتظل “إسرائيل” المجرمة والغاصبة والسارقة والمعتدية فوق القانون الدولي محمية بقوة الفيتوات الأميركية والغربية التي تحول دون معاقبتها ومحاسبتها على جرائمها ووضع حد لانتهاكاتها الخطيرة للقانون الدولي وللسلام في المنطقة.
لم يكسب الشعب الفلسطيني من الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة سوى الوعود الفارغة التي لاتنصف ولا تعيد حقاً مسلوباً لتبقى بندقية المقاوم الفلسطيني الأمل الوحيد في استرجاع واستعادة الحقوق المسلوبة، ورفع الظلم والأذى، وإطلاق سراح الأسرى ووقف الاستيطان وعودة اللاجئين والثأر لدماء الشهداء.
السابق