الثورة – عبد الحليم سعود:
لم يعد خافياً على أحد منذ بدأت الأزمة الأوكرانية عام 2014 أن الولايات المتحدة الأميركية تريد تخريب وتدمير كل ما يربط روسيا بأوروبا، وقد تجلى ذلك بشكل فاضح خلال الحرب الأوكرانية الجارية حالياً، لقناعة النخبة السياسية والعسكرية الأميركية بأن روسيا هي العمق الحقيقي والطبيعي والحيوي لأوروبا، وبالتالي فإن مستقبل العالم يتوقف على هذه العلاقة، ولأن واشنطن لا تريد رؤية أي قوة أخرى تنافسها على الساحة الدولية فقد عمدت إلى فرض عقوبات على روسيا والصين ودول أخرى، وقامت بإفساد العلاقة بين موسكو والعواصم الأوروبية، ولم تكف يوماً عن إفساد العلاقة بين الصين وباقي دول العالم.
انطلاقاً من هذه المسلمة يمكن قراءة تطورات الحرب الأوكرانية بكل تداعياتها الخطرة على أوروبا في المقام الأول وعلى بقية العالم في المقام الثاني، ولعل حدث تخريب السيل الشمالي – خطوط الغاز الروسية في بحر البلطيق – يلقي الضوء على نوايا واشنطن من وراء التصعيد العسكري في أوكرانيا، فأول المتضررين من تخريب خطوط الغاز هي أوروبا التي ينتظرها شتاء بارد جداً ما لم يتم تعويض كميات الغاز التي فقدتها والتي تعادل حوالي 40 % بالمئة من احتياجاتها وهذا أمر صعب التحقيق في المدى المنظور، ولا شك أن الأوروبيين – كشعوب – بدؤوا يستشعرون الخطر الذي تشكله السياسة الأميركية على مصالحهم ومستقبلهم، لكن النخبة السياسية الأوروبية الحاكمة حالياً إما تابعة أو عميلة لواشنطن، لأنها تقود بلدانها إلى الكارثة، فأي حرب نووية في القارة العجوز ستكون أوروبا أكبر من المتضررين منها لأنها ستقع على أراضيها بالدرجة الأولى، وأما أميركا فستكون في منأى عنها، ولا مانع لدى الساسة الأميركيين أن يقاتلوا روسيا حتى آخر أوكراني أو آخر أوروبي.
تقول موسكو على لسان مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا في إطار ردها على الاتهامات الغربية المفبركة بشأن تخريب السيل الشمالي: إن الولايات المتحدة لا تكترث بما ينتظر أوروبا من شتاء مظلم وبارد. ويضيف نيبينزيا “ليس من المنطقي بالنسبة لنا تدمير المشروع بأيدينا، حيث سخرنا مبالغ ضخمة من الاستثمارات والتي يمكن أن نحقق منها عائداً اقتصادياً كبيراً”.
وقال نيبينزيا في اجتماع لمجلس الأمن الذي عقد بسبب الحادث: “أخيراً، السؤال الرئيسي: هل ما حدث مع “السيل الشمالي” مفيد للولايات المتحدة؟ لا شك في ذلك. يجب أن يحتفل موردو الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة بالزيادة المضاعفة في إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى القارة الأوروبية”.
وأضاف: “في ظل ظروف أزمة الطاقة، تقوم الولايات المتحدة بنقل الصناعات الأوروبية، وتتلقى موظفين وتقنيات وموارد إنتاج متطورة. وتُرك سكان أوروبا وحدهم مع مشاكلهم. لكن لا أحد من خلف المحيط يهتم بأن شتاء مظلماً وبارداً وطويلاً ينتظر أوروبا”.
أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقد اتهم “الأنجلوساكسون” بالوقوف وراء التفجيرات التي وقعت على خطي أنابيب “السيل الشمالي1 و2”.
وقال بوتين في مراسم توقيع اتفاقيات انضمام 4 مناطق محررة إلى قوام روسيا: “العقوبات ليست كافية للأنجلوساكسون، لقد تحولوا إلى التخريب، في الواقع، بدؤوا في تدمير البنية التحتية لعموم أوروبا”.
يشار إلى أن خطوط أنابيب “السيل الشمالي” تمتد من روسيا إلى ألمانيا عبر قاع بحر البلطيق، وتمر بالمياه الاقتصادية للدنمارك وفنلندا والسويد. وقد وقعت الأعطال بالقرب من جزيرة بورنهولم الدنماركية.
وقد سبق للرئيس الأميركي جو بايدن أن توعد رسميا بإيقاف خط السيل الشمالي في إطار الضغط على روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية، ويمكن القول إن الولايات المتحدة من خلال قيامها بتفجير خطوط أنابيب الغاز الروسية، تجعل ألمانيا تعتمد بشكل حرج على إمدادات الغاز الأمريكي المسال، وفي الوقت نفسه تضع روسيا أمام خيارين: فإما الاستمرار في دعم أوكرانيا من خلال مدفوعات العبور، أو خسارة جزء مهم من إيرادات الميزانية، إذا ما قررت موسكو رفض نقل الغاز عبر أوكرانيا، حيث كان بإمكان روسيا في السابق تحويل نقل الغاز إلى “السيل الشمالي” عوضاً عن خط الغاز الذي يمر من أوكرانيا.