نفهم .. وبتنا نتفهّم جيداً حجم الأضرار الكبيرة التي تترتب على البلاد جراء العقوبات الجائرة المفروضة علينا والحصار الوحشي الشديد، ولكننا لا نستطيع أن نفهم ولا أن نتفهّم إقدامنا نحن على معاقبة وحصار أنفسنا بالعديد من القضايا المجدية والتي يمكن أن تُشكّل لنا منفذاً للعقوبات واختراقاً لجدار الحصار، وحلها يكون بأيدينا ولا تحتاج فعلياً إلاّ إلى قرار بسيط يمكن أن يصير حقيقة على الأرض خلال زمنٍ لا يتعدى الربع ساعة.. وربما أقل من ذلك..!
ففي سورية فريق من الصناعيين المتحمسين للمزيد من الأعمال، ولديهم السبل الكفيلة لتحقيق طاقات إنتاجية ضخمة قادرة على فعل الكثير، وتسهم بشكل فعّال بإنعاش حقيقي للاقتصاد الوطني، غير أنهم محاصرون من الداخل، وممنوع عليهم استثمار طاقاتهم نتيجة قرارات خاطئة، أو ربما بالأصح نتيجة عدم اتخاذ القرارات الصحيحة والفعالة الكفيلة بإطلاق العنان لطاقاتهم الإنتاجية الكامنة، والقابعة في زنازين عدم الاكتراث التي يُغلقها بعض أصحاب القرار بأقفالٍ تمنعها من الخروج لنفوّت على البلاد الكثير من الامكانيات، وآلاف فرص العمل، وواردات عالية من القطع الأجنبي أيضاً.
العديد منا يذكر أنه في تسعينيات القرن الماضي ازدهرت جملة من الصناعات في سورية ومن بينها الصناعات الغذائية، سواء تلك التي تعتمد على الإنتاج الزراعي المحلي، أم التي اختارت طريقها لتعبئة وتغليف الإنتاج الزراعي الخارجي، وقد أبلت بلاءً حسناً حيث شهدنا العديد من شركات تعبئة وتغليف القهوة والشاي والمتة والزيوت، وما إلى ذلك، وقد أثبتت وجودها بقوة، ولاسيما أنها أنفقت ملايين الدولارات حتى تمكنت من الوصول إلى هذا القدر من الكفاءة، فبنت المستودعات، وأقامت بنية تحتية كبيرة من آلات التحضير وخطوط إنتاج التعبئة والتغليف المستوردة، فكان لها مساهمات كبرى في توفير آلاف فرص العمل، كما استطاعت تشغيل قطاعات كثيرة أخرى تعمل في مجال المطابع والورق والكرتون والنايلون، ومجالات عديدة تجد فيها بعضاً من مستلزمات إنتاجها، وظهرت بالفعل ماركات محلية نافست الماركات الأجنبية المشابهة، حيث اخترقت الأسواق الخارجية بقوة وجرى تصديرها إلى أوروبا وتركيا ودول الخليج والعديد من الدول المجاورة، فضلاً عن منتجاتها التي تغطي السوق المحلية بالكامل.
هذه الشركات تتوق اليوم للسماح لها بالإدخال المؤقت للمواد الأولية من أجل تحضيرها وتعبئها وإعادة تصديرها، غير أن ميزة الإدخال المؤقت هذه ما تزال ممنوعة ومحجوبة عنها، الأمر الذي يُضعف من قدرتها على المنافسة في الأسواق الخارجية، فهي اليوم تقوم بتصدير منتجاتها بعد أن تدفع كل الرسوم الجمركية والمالية وكأنها وضعت بالاستهلاك المحلي، ومن ثم تقوم بتسديد ( 50%) من القطع الناتج عن التصدير فتواجه ما يترتب على ذلك من خسائر نتيجة احتساب سعر القطع والعمولات الناتجة عنه، أما في حال السماح لها بالإدخال المؤقت فإنها تُعفى من تلك الرسوم، فتضاعف طاقاتها الإنتاجية، وتزيد من كميات التصدير لأنها تمتلك بذلك زمام المنافسة لخفض التكاليف، وهذا يعني بالنهاية زيادة فرص العمل، وزيادة عائدات التصدير من القطع أيضاً، وقد ينعكس هذا الأمر على تخفيض الأسعار محلياً، ولكن المشاكل التي تُكبّل بها هذه الصناعة اليوم كالآلية المتبعة في القطع وتأخر التمويل وعدم السماح باستثمار قطع التصدير لاستيراد المواد الأولية، والخسائر الناجمة عن شراء القطع واسترداد القطع الناجم عن التصدير إضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة وما يتبع ذلك من ارتفاع في تكاليف النقل ومدخلات الإنتاج .. كل ذلك ساهم فعلياً في تراجع الصادرات بعد افتقاد المنتج السوري لميزة أساسية في المنافسة الخارجية نتيجة تراكم التكاليف وارتفاعها، ولذلك يأتي السماح لهذه الشركات بالإدخال المؤقت الحل الأمثل لتجاوز هذه العقبات وزيادة الصادرات وبالتالي ارتفاع واردات القطع الأجنبي .. فهل نفعل..؟ أم يحلو لنا حصار بعضنا من الداخل أيضاً..؟!