الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم:
لم يكن الشعر وعلى مرّ العصور ترفاً او لهواً أو تسلية ً …بل كان لدى كل الأمم والشعوب حالة وجدانية، ورسالة إنسانية حضارية لذلك شغل الشعراء في مجتمعاتهم مكانة مهمة تليق بهم وبإبداعاتهم، والذي شكّل رافعة مهمة للثقافة والفكر،فكان الشاعر لسان حال الناس،ينقل معاناتهم..همومهم،رؤاهم،أحلامهم،ينثرها كحبات المطر في الأرض اليباب،لتعطي ثمراً بهياً…
والشعر في المجتمع هو ضرورة،بل أكثر من ضرورة،فهو -أي الشعر – الوعاء الشامل لما يدور في المجتمع من كافة النواحي السياسية والثقافية والاجتماعية والفنية،لذلك قالت عنه العرب قديماً (الشعر ديوان العرب) والديوان يعني السجل الذي يجمع كل النواحي الإبداعية التي يقدمها هذا المبدع أو ذاك،ولعل ّ معظم أخبار ووقائع السلف انتقلت إلى الأجيال اللاحقة من خلال الشعر.فكانت الملاحم والبطولات حاضرة بقوة في قصائد الشعراء بطبقاتهم ومستوياتهم كافة..
والشعر ليس كلاماً عادياً،بل هو كلام يعتمد على الصورة الشعرية إلى جانب المفردة الجميلة البهيّة، وتأثير الشعر متعدد الاتجاهات سواء على الفرد أم المجتمع والذي لا يمكن أن يتطور إلا من خلال البنى الفكرية والثقافية والفنية،ويأتي الشعر في المقدمة،كونه يعدً من أرقى الفنون الأدبية وأكثرها قدرة على التعبير والغوص في النواحي الوجدانية والجمالية للمجتمع،فالشاعر هو الأكثر قدرة على التعبير ونقل ما يهم المجتمع مستخدماً ما يجول في ذهنه من أفكار وإيحاءات ومعان ٍ ضمن رؤيته وثقافته ومنظوره للحياة،حتى قيل إنه يحق للشعراء ما لا يحق لغيرهم..
لم يقف الشعر عند شكل معين،بل تطور مع تطور المجتمع والحياة،وراح ينهل من ينابيع شتى فالقصيدة المقفاة الموزونة،لم تعد وحدها من يعطي للشعر هويته؛ بل دخلت في مجال الإبداع مسمّيات جديدة مثل: شعر التفعيلة وقصيدة النثر والومضة وغيرها من مسميات قد لا تروق للبعض ويعتبرها خاطرة أو نثراً شعريّاً أو …؟!
اياً تكن التسميات فالشعر شعرٌ له موسيقاه وصوره الشعرية إلى جانب الإيحاء والإدهاش والتكثيف وهي سمات تتوافق مع التطور الهائل الذي شهده القرن الحادي والعشرين في مضامير الفنون والثقافة والمعرفة.
إنّ تطور المجتمع من كافة النواحي واكبه تطور ثقافي وأدبي تجلى بتطور اللغة الشعرية، حيث عمد شعراء الحداثة إلى الابتعاد عن الألفاظ الغامضة وتوظيف كل جديد في قصائدهم وإلباسها ثوباً فنيّاً جميلاً يتماشى مع روح العصر …
وعندما نقول :الشعر اكثر من ضرورة لقناعتنا ان ما يحدثه الشعر في نفس وفكر المتلقي لا يستطيع اي فن آخر فعله ؟!
كم من قصيدة الهبت مشاعر الجماهير ؟ وكم من شاعرٍكان له الدور المهم في الدعوة للحرية والمساواة والعدالة الإجتماعية ؟!
وإن كنت لستُ مع مقولة (( الشعراء يتبعهم الغاوون ..يقولون مالا يفعلون …)) لأن الشاعر ابن بيئته وعليه تبني قضايا وطنه ومجتمعه وطرح ما يجول بخاطره ووجدانه بكل صدق وشفافية بعيداً عن النرجسيّة و(الأنا)المتورمة ،هذا الحال تجلٍى في مناسبات عدة ،عندما تعرض الوطن لحملات العدوان والتضليل والتزييف قال الشعراء كلمتهم وعبّروا عن مواقفهم الوطنية بالدفاع عن الوطن بالكلمة الحق والموقف المبدئي الشريف .فحمل الشعراء هموم الناس والمجتمع وخاصة في القضايا المصيرية التي تهدد الحرية والكرامة والوجود ،وكانوا إلى جانب فنون التعبير الأخرى من إعلام ومسرح و…وكل اشكال التعبير والإبداع مغ الناس البسطاء والفقراء واشاروابقوة وفخر إلى عظمة الشهادة والشهداء وبطولات حيشنا الباسل في دحر الإرهاب والفكر الوهابي الظلامي ،والصمود الأسطوري للشعب وتلاحمه مع الجيش والقيادة وتحقيق الإنتصار…
ومع تطور الاتصالات والثورة المعرفية وإنشغالات الناس بقضايا الحياة اليومية تراجع جمهور الشعر واقتصر على المثقفين والمهتمين بالشان الثقافي ،إذ نادراً ما نجد من يحضر امسية أو أصبوحة شعرية ،فيقتصر الحضور على العاملين في المركز وعدد قليل لا يتجاوز عدد أصابع اليد ،وهي ظاهرة تنسحب على معظم الأنشطة والفعاليات الثقافية ؟!
وأياً يكن واقع الشعر اليوم ونظرة الناس إليه ،فما زال يؤدي دوره ويحمل رسالته التثقيفية والتنويرية والإنسانية ، وإلتصاقه بقضايا الوطن والمجتمع والإنسان رغم كل الظروف والتطور التكنولوجي الهائل ،لانّ للكلمة وقعاً في العقل والوجدان دائمة التأثير ،واسعة المدى ،لا يمكن أن تُمحى أو تزول على مر السنين والعصور .؟
العدد 1115 – 11- 10-2022