الثورة- تحليل لميس عودة:
بعد تأخير ومماطلة بدواعي الحرب الأوكرانية أعلنت واشنطن أخيراً عن استراتيجية أمنها القومي، وظهر دخان الحرائق التي يتم الإعداد لها من غرف التآمر السوداء، وفاح الخبث من طيات أجنداتها العدائية، وتصدرت الصين بثقلها وتفوقها النوعي العسكري والسياسي والاقتصادي قائمة الاستهداف، وكان لها النصيب الأكبر من السهام الأميركية كونها المنافس القوي الذي ثبت ثقله النوعي في ميزان القوى العالمي، وبالتالي بات العدو الأول الذي يفزع تفوقه أصحاب الرؤوس الحامية من أصحاب القرار الأميركي ويهز عرش الأحادية المتآكلة.
فقد ورد في الوثيقة الاستراتيجية الأميركية أن الصين تمثل التحدي الأكثر أهمية للنظام العالمي و أن الولايات المتحدة لابد أن تفوز بسباق التسلح الاقتصادي مع القوى العظمى إن كانت تأمل مواصلة ممارسة نفوذها على مستوى العالم.
الوثيقة الخاصة بالاستراتيجية الجديدة لما يسمى الأمن القومي الأميركي والمكونة من 48 صفحة لا تتضمن أي تحولات في العقيدة الهجومية تجاه من تصب واشنطن جام حقدها وعدائها عليهم ولا تنظم- بعد المتغيرات الدولية الحاصلة- إيقاع الخطوات الأميركية في الحقول السياسية والدبلوماسية ولا حتى العسكرية الشائكة، ولا تقدم أي نظريات جديدة لسياسة الرئيس الأميركي جو بايدن الخارجية، بل تعتمد نفس النهج بتعويم شعارات صون الديمقراطية واجترار أكاذيب الاضطلاع بمحاربة الإرهاب العالمي واختلاق أباطيل وتحديد أعداء للاستمرار في النهج العدواني المتبع.
فالواضح من استراتيجية الأمن القومي الأميركي الجديدة أنها تسعى إلى احتواء صعود الصين المؤكد والحتمي إلى القطبية، وذلك باتباع واشنطن كل الطرق الملتوية والمخالفات القانونية والوسائل الشيطانية، وبالطبع يخصص للوصول إلى هذه الغاية الخبيثة خبراء ومختصون بصناعة الفوضى الهدامة وأجهزة ومراكز دراسات وغرف جاسوسية وإرهاب مختصة بإشعال فتيل أزمات لإشغال بكين بشؤون أمنها وحصارها، ونزع صواعق استقرارها في محيطها بخطوات استفزازية كما هو الحال بتكثيف ضخ الأسلحة لتايوان التي هي جزء لا يتجزأ من الصين الواحدة وتشجيع انفصالييها على التمرد، وزعزعة علاقاتها مع دول مجاورة لها كاليابان التي تأتمر بالأوامر الأميركية.
مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان لم يخف خشية بلاده من التقدم المتسارع للصين في كل المجالات وفزعها من سحب بساط الأحادية من تحت أقدام السطوة الأميركية بقوله “جمهورية الصين الشعبية عاقدة العزم وقادرة، بشكل متزايد، على إعادة تشكيل النظام العالمي لصالح نظام من شأنه أن يميل الساحة العالمية لما فيه صالحه.
لا يخفى على كل مدرك وذي بصيرة أن الصين رقم صعب في معادلات القوى العالمية وفي ميزان التفوق والتمكن العسكري والاقتصادي، وعمق تحالفاتها الاستراتيجية يعطيها زخماً قوياً واندفاعة واعدة ومتزنة وواثقة نحو القطبية لتتبوأ مكانها كقوة عظمى تملك كل مقومات النجاح والريادة والقبول العالمي لتعاطيها المحترم والأخلاقي مع الملفات الدولية بحكمة وصوابية واحترام سيادة الدول ومصالحها، كل ذلك تدركه أميركا وتستشعر معه الفجوات العميقة التي خلفتها تعدياتها السافرة على أمن الدول وسلامة شعوبها، وما أحدثته سياساتها الرعناء من حرائق مشتعلة وأزمات على اتساع الرقعة العالمية رغبة منها بفرض السطوة والتمدد العدواني، لذلك تحاول واشنطن بكل مكر وتدليس وتعديات عرقلة الصين الساعية إلى كسر قواعد القطبية الأحادية.