الثورة-هفاف ميهوب:
في كتابه “الثقافة العربية” يؤكّد الأديب والكاتب المصري “عباس محمود العقاد”، حقيقة كون الثقافة العربية الأصيلة من أقدم الثقافات، وبأن هذه الحقيقة لا يمكن أن تفاجئ أو تثير رفض واستنكار، سوى الأوروبيين الذين لا يريدون الاقتناع إلا بأنهم، سبقوا الأمم بالعلم والمعرفة، وهي دعواهم التي اضطرّته للقول عنهم:
“لجّ الأوروبيون في هذه الدعوى، لجاجة بغيضة تكشف عن سوءِ نيّة، ويبدو عليها كأنها تتعسّف في البحث عن أسبابِ التجنّي والإنكار، فتخلقها خلقاً، وتحيد عن الطريق السويّ، لكي تنتهي إلى قدحٍ في الطبيعة العربية، وتمجيد طبيعة أمم سواها”..
إنه ما نعرفه جيداً، وأكّده كُثر من الأدباء والباحثين العرب والغربيين، ويؤكده أيضاً الواقع الذي لا زلنا نعيشه، والذي ينكر فيه أعداء هذه الأمة، ميراثها الثقافي واللغوي والفلسفي والحضاري.. الإنكار الذي لم يكن سبباً في حقد وعداءِ الاستعمار فقط، بل وفي عداء الجهل والحقد والأنانية، وكذلك التعصّب الذي جعل البعض يسعى إلى التحزّب والتخريب، وإلى إنكار كلّ فضلٍ ومأثرة، تُنسب إلى هذه الأمة..
حتماً ليس من السهل القضاء على كلّ هذا، وعلى الآثار المضلّلة والمؤثرة التي تركها الأوروبيون، وسواء في أذهان الشعوب الأوروبية، أو حتى وللأسف، في أذهان غير القلائل من أهل الجهل والتآمر والبغض، في الدول العربية..
نعم، ليس من السهل القضاء على كلّ هذا. لكن، من السهلِ وبجهودٍ واعية وحقيقية “إعادة بناء العقل، وتصحيح العقلية البشرية، دون نكران اختلاف الأمم في التفكير والسلوك، مع إنصاف الأصالة التي تفرّدت بها الثقافة العربية”..
هذا ما دعا إليه “العقاد” الذي سعى وفي الكثير من أعماله، للتأكيد على هذه الحقيقة، ولإنقاذ العقول العربية، حتى من الأوهام التي تجعلها تظنّ بأنها معصومة عن الخطأ، أو أن أخطاءها قليلة ولا تستحقّ الوقوف عندها..
سعى إلى ذلك، وإلى تبيان أهمية اعترافنا بهذه الأخطاء، مثلما بإمكانية تجاوزها لطالما “يعزّينا إيماننا بأننا قادرون على تصحيحها وعلى اجتنابها، وأنها ليست بالأبدية التي لا تفارقنا، كما زعم المفترون علينا”..
التالي