الثورة – حمص- سهيلة إسماعيل:
أكد رئيس اتحاد الكتاب العرب الدكتور محمد الحوراني في محاضرة ألقاها اليوم على مدرج فرع جامعة البعث لحزب البعث العربي الاشتراكي ضمن فعاليات ملتقى البعث للحوار , أن البطل إبراهيم هنانو بدأ ثورته ضد المستعمر الفرنسي بعبارة “من العرب إلى العرب” ليؤكد بُعْدَهُ عن أي تحزُّب أو عصبية, وقد حملت العبارة معاني القومية , وعندما اقترح نجيب عويد اللجوء إلى الأراضي التركية – خلال المؤتمر العام لبحث أفضل الطرق لاتباعها في مراحل الثورة الأخيرة – رفض هنانو رفضاً قاطعاً وقال: “والله لو خُيِّرت على أن أكون مسلماً تركياً أو مسيحياً عربياً لاخترت الثانية, ولذا فإني أفضل اجتياز الصحراء الواسعة إلى شرق الأردن لأعيش في كنف حكومة عربية”.
ومن كلام هنانو نستشف المعنى العقيدي للهوية الوطنية, وهو ما يثبت أن العروبة هوية وطنية وقومية في الوقت نفسه . كما يتبين من كلام هنانو اختصار لمواقف ذلك الزمن الذي حاول فيه الأتراك مصادرة الهوية الثقافية لشعوب عانت من ويلات الاحتلال العثماني, كما وقف هنانو موقفاً واضحاً ضد محاولة الفصل بين العروبة والإسلام, ولم يكن هنانو لوحده من اتخذ هذا الموقف, فقد هب كل من حمل السلاح أو القلم ضد محاولة الاحتلال الفرنسي تقسيم سورية إلى دويلات على أسس طائفية وعرقية. معتبرين أن الوطن للجميع والجميع معنيٌّ بقضاياه المصيرية , كالشيخ صالح العلي وسلطان باشا الأطرش وغيرهم .
وأضاف حوراني في محاضرته التي حملت عنوان “الهوية الثقافية ..الوعي والتاريخ” أن هذه التحركات الوطنية وضحت ماذا تعني الهوية الوطنية التي ينصهر الجميع في بوتقتها . ولم يستطع المستعمر بكل أشكاله محو الهوية العروبية , فكلمة الوطن العربي تمثل الهوية الوطنية وهي بدورها تعبر عن الهوية القومية التي تشمل الكل من جميع الإثنيات والطوائف . وقد أثبتت حوادث التاريخ منذ نكبتي 1948 و1967 صحة هذا الكلام , وبعدها حرب تشرين التحريرية عام 1973 . لنستنتج بعد ذلك أن كل المحاولات العدوانية لنهب ثروات الوطن العربي كانت تمرُّ عبر هدف واحد وهو استهداف الهوية الوطنية .
كما عرَّج الحوراني للحديث عن تحديات العولمة وما ترفعه من شعار حكومة عالمية لجميع الشعوب من باب التلاقح واحترام الخصوصيات والهويات الوطنية بينما في الواقع يكون هدفها مصادرة الهويات وانتهاك الخصوصيات واستلاب الإرادات ولنا في الحروب خلال الفترة المنصرمة خير دليل على ذلك . لكن الشعوب العربية تحصنت بالإسلام الذي حماها وكان في عصر العرب الذهبي عولمة حقيقية لمن اعتنقه من شعوب العالم. والدليل على ذلك ماورد في قصيدة ” غرناطة “للشاعر الكبير نزار قباني :
قالت: هنا الحمراء زهو جدودِنا فاقرأ على جدرانها أمجادي
أمجادُها ؟ ومسحتُ جرحاً نازفاً ومسحتُ جرحا ثانياً بفؤادي
يا ليت وارثتي الجميلة أدركت أنَّ الذين عنتْهُمُ أجدادي
عانقتُ فيها عندما ودّعتها رجلاً يسمّى طارق بن زيادِ
وأردف حوراني بأن التاريخ المشترك عنصر أساسي من مكونات الهوية الجمعية , ويعطي للحاضر دلالاته ومعانيه ويعمق الشعور بالقيمة والثقة بالنفس والاعتزاز بالانتماء , فيقود إلى وحدة الذاكرة الجمعية.
وأخيراً فإن الهوية الوطنية مسألة أساسية للمشروع المستقبلي للدولة ومن دونها يفقد المجتمع جوهره . وهي انتماء وطني وقومي . ومن خلالها يمكن أن نحافظ على إنجازاتنا الوطنية ونكون أوفياء لدماء شهدائنا.