الملحق الثقافي- مها محفوض محمد:
عجلات تحرك المشهد الثقافي والحياة الأدبية اليوم في روسيا الاتحادية، أولها :ماسمي بسنوات الصفر نسبة إلى مطلع العقد 2000
حيث حملت تلك السنوات تبدلات عميقة على صعيد النشر وعلى امتداد البلاد فقد عاد القراء الروس خاصة جيل الشباب منهم الى أدب النوع ليكتشف العالم أن تسعينات القرن الماضي كانت حبلى بطلاق بين النقد ودور النشر من جهة، وبين شارع القراء من جهة أخرى رغم ازدياد عدد الجوائز الأدبية الروسية مثل البوكير الروسي والجائزة الوطنية للكتاب الأكثر مبيعاً وجائزة الكاتب الكبير وجائزة ياسنايا بوليانا.
إلا أنّ تلك الجوائز لم تترك اثرا كبيرا على صعيد المبيع عكس مايحصل في فرنسا والولايات المتحدة أو بريطانيا على سبيل المثال ، فقبل عقدين من الآن كان النقاد يتجاهلون أدب الشارع لكن سرعان ماتغيّرت المعادلة مع مطلع الألفية (سنوات الصفر) حين نزل إلى الساح الجنس الآخر من القارئات النهمات اللواتي سجلن أعلى نسب شراء في طول البلاد وعرضها ولتحتل الأقلام النسوية رأس قائمة الأدب الأكثر مطالعة باللغة الروسية حيث تعاطفت القارئات الروسيات وهن الشريحة الأوسع مع الأديبات اللواتي يتمتعن بشهرة عالمية اليوم.
وكانت أحدث الروايات التي حطمت أرقام المبيع رواية «زمن النساء» للكاتبة ايلينا تشيجوفاا التي تأتي في طليعة الأدب النسوي وهي أديبة أكاديمية من بطرسبورغ حصدت جائزة البوكير الروسية لعام 2009.
وحسب ما كتبه حمدي عابدين في الشرق الاوسط فإن رواية «زمن النساء» للكاتبة الروسية يلينا تشيجوفا، وهي، حسب مترجمها الدكتور محمد نصر الجبالي، واحدة من أفضل ما كُتِب بالروسية خلال العقدين الأخيرين، وتضعها في مصاف كلاسيكيات الأدب الروسي مثل مسرحية «بستان الكرز» لأنطون تشيخوف، ورواية «آباء وأبناء» لإيفان تورجينيف وغيرها.
وقال الدكتور الجبالي عنها إن «زمن النساء» تتوفر على كثير من العناصر الفنية التي جعلت منها الأفضل باللغة الروسية في عام 2009، وقد حصلت على جائزة البوكر العالمية للرواية الروسية في العام نفسه.
وذكر الجبالي، الذي يعمل أستاذاً للأدب الروسي بكلية الألسن جامعة عين شمس، أن يلينا تشيجوفا التي وُلدت عام 1957، بمدينة ليننغراد: «سان بطرس بورج» تُعد واحدة من أهم الكاتبات الروسيات المعاصرات.
وقد أُدرجت روايتاها «المجرمة» و«الدير الكبير» ضمن القائمة القصيرة للجائزة نفسها عامي 2003 و2005 على التوالي. ويتميز أسلوبها بالسمات والخصائص التي تمثل ما بعد الحداثة التي تتجلى في أعمال الكثير من الكاتبات الروسيات المعاصرات.
ولفت الجبالي إلى أن العقود الثلاثة الأخيرة في روسيا شهدت إبداعات متميزة من الكاتبات والشاعرات الروس حيث تضاعف عددهن مقارنة بالعقود السابقة. ويرجع ذلك إلى كثير من الأسباب لعل أهمها النهضة الثقافية التي شهدتها النخبة المثقفة في روسيا والتي تمثل المرأة جزءاً أصيلاً منها.
ويلينا تشيجوفا هي أيضاً ناثرة ومترجمة وكاتبة مقالات وحاصلة على الدكتوراه في الاقتصاد، كما عملت رئيسة تحرير لمجلة «الكلمة العالمية»، وتعود أولى كتاباتها الاحترافية إلى عشر سنين مضت.
أما بداياتها، فكانت في فترة انهيار الاتحاد السوفياتي، وقد قامت بالتدريس في الجامعة وعملت بالتجارة فترة من الزمن قبل أن تتفرغ حالياً للكتابة.
تسيطر الحياة في بطرسبرغ على إبداعات تشيجوفا، حيث تحدد سمات شخصيات أبطالها وعالمهم النفسي، ومعظمهم من النساء. وهي تتناول مصائرهن وطباعهن ودورهن في المجتمع وعالمهن الداخلي.
وتدور أحداث روايتها «زمن النساء» حول الفتاة أنطونينا التي لم تستطع، بسبب نشأتها الريفية، التأقلم على العيش في مدينة كبيرة. وقد استطاع أحدهم أن يغرر بها بسهولة، فأنجبت منه طفلة عاشت سنوات لا تقوى على النطق. وسرعان ما تمرض أنطونينا، وقد كان عليها أثناء مرضها واحتضارها أن تترك ابنتها الصغيرة عند جاراتها العجائز الثلاث جليكيريا وأريادنا ويفدوكيا. واستطعن بالفعل أن يقمن بالمهمة وشبت الفتاة رسامة موهوبة ومشهورة، حتى إن الجزء الأخير من الرواية عبارة عن حديث البطلة الصغيرة عن نفسها.
تتناول الرواية أيضاً حياة ومصير العجائز الثلاث، وتصور حياتهن في الشقة المشتركة التي يعشن فيها، وترسم عوالمهن الداخلية، وحياتهن أثناء حصار مدينة ليننغراد خلال الحرب ومعاناتهن من الوحدة، وفقدان الأولاد أو الأزواج ما جعلهن يوجهن كلّ عنايتهن إلى الصغيرة صوفيوشكا.
ومن خلال كلّ ذلك تلقي الكاتبة الضوء على الواقع الروسي في القرن الماضي.
وعن طبيعة السرد في «زمن النساء»، يقول الجبالي إنه يأتي على شكل قصص وحكايات على ألسنة كلّ بطلات الرواية الخمس صوفيوشكا أو سوزانوتشكا الطفلة وأمها البطلة الرئيسية أنطونينا والجدات يفدوكيا وجليكيريا وأريادنا، بالإضافة إلى ذلك نجد بعضهن يلخصن جزءاً من الأحداث من وجهه نظره الخاصة. ويحتل المونولوغ والديالوغ مساحة كبيرة في الرواية. وربما كان ذلك من الأسباب الرئيسية وراء تحويل الرواية إلى عروض مسرحية مختلفة.
وتفيد الاستبيانات في روسيا أن الجنس اللطيف يقرأ أكثر من الجنس الخشن لذلك كان النجاح حليفا لروايات:دينا روبينا، تاتيانا تولستوي، أولغا سلافينكوفا….
يضاف اليهن ملكات الرواية البوليسية دون منازع أمثال: ألكسندرا مارينينا ،تاتيانا أوستينوفا ،داريا دونتسوفا.
وقد جاءت سنوات الصفر بمثابة العصر الذهبي لاكتشاف أدباء من تسعينات القرن الماضي على غرار فيكتور بيلوفين وفلاديمير سوروكين وغيرهم ممن استطاعوا أن يجعلوا قراءهم يواظبون على متابعة أعمالهم فقراءة أعمال هؤلاء هي ثقافة بحد ذاتها وانتماء لفئة المثقفين الجدد كما حملت سنوات الصفر جيلا من الكتاب في الثلاثينات من اعمارهم مثل:زخار بريلوبين ،الكسي ايفانوف، ديمتري نوفيكوف الاقرب الى الواقعية، والذين رفضوا إسقاط علم النفس في الأدب وعلى سبيل المثال فقد عشق جمهور موسكو بريلوبين على روايته الحدث «سانكيا» التي تروي تحركات شاب متمرد يثور على الرأسمالية بأشكالها المتبدلة ،أما زميله ألكسي ايفانوف فقد حقق أعلى المبيعات في روايتيه «ذهب التمرد»،»قلب بارميه» وايفانوف هذا ينحدر من منطقة الأورال وهو اتنوغرافي متخصص بدراسة شعوب الأورال مسقط رأسه والتي يصفها ب «العمود الفقري لروسيا» ، بينما يروي رومان سانتشين مأساة أسرة روسية من الطبقة المتوسطة تجرفها المتغيرات والظروف الاقتصادية المالية الجديدة التي تهز المجتمع الروسي اليوم.
السير الذاتية لأعلام الأدب الروسي تحقق أيضاً شعبية واسعة خاصة أن من يدونها هم جهابذة الكتاب اليوم مثل ديمتري بيكوف الذي يروي حياة بوريس باسترناك والكسي فارلاموف الذي يروي حياة ألكسي تولستوي.
إيلينا جيزهوفا من مواليد 1957 وهي اختصاصية في العلوم الاقتصادية من أبرز مؤلفاتها: «زمن النساء» و«الدم المختلط» ، «المجرم»
ألكسي ايفانوف المولود عام 1969 يعتبر خليفة بوشكين من أبرز أعماله «الجغرافي يشرب مجرته»، «قلب بارم».
فيكتور بيلوفين اختصاصي بالثقافات الشرقية والبوذية من أهم رواياته «جيل جديد» ، «كتاب السحرة» كذلك الأمر بالنسبة لفلاديمير سوروكين الروائي الملتزم في حياته ومؤلفاته التي جاوزت شهرته حدود روسيا مثل:«يوم في حياة اوبريشنيك»، «الجليد».
أيضا من الأعمال التي تلقى اهتماماً كبيراً الأعمال الوثائقية التي تسلط الضوء على الماضي السوفييتيي لروسيا مثل رواية «فيرباتيم» تأليف ليليانا لونغينا والدة السينمائي المعروف بافيل لونغين وهي مترجمة معروفة نقلت أعمال بوريس فيان وهنريك ايبسن حيث عاصرت المرحلة الستالينية وتوفيت عام 1998 وقد روت قبل وفاتها محطات من حياتها للكاتب أوليغ دورمان الذي أنتج فيلما حول حياتها وكتب سيرة الروائي بوريس اكونين والصحفي ليونيد بارفيونوف ليحقق الفيلم والكتاب نجاحاً جماهيريا منقطع النظير ويعتبر بارفيونوف من أشهر الصحفيين في التلفزيون الروسي وهو صاحب كتاب «دائرة معارف الاتحاد السوفييتيي» وعنوان دائرة المعارف «زماننا» وكل جزء من هذا المؤلف يتحدث عن عقد أو أكثر من الزمن.
العدد 1122 – 29-11-2022