الثورة – بسام مهدي:
في عالم يتزاوج فيه الذكاء التقني بالعواطف البشرية، تُصبح الجرائم الإلكترونية أكثر تعقيداً مما يتصوره العقل، وأقرب إلى سيناريوهات المسلسلات البوليسية منها إلى الواقع اليومي..
حادثة الهند التي بطلتها مهندسة روبوتات تدعى رينيه جوشيلدا، والتي أثارت الذعر في 11 ولاية عبر تهديدات وهمية بوجود قنابل، تسلط الضوء على ثغرات خطيرة في منظومات الأمن السيبراني، ليس في الهند فحسب، بل في أي دولة تواجه تحديات رقمية متصاعدة، مثل سوريا.
استخدمت رينيه، بدافع حبّ من طرف واحد، بريداً إلكترونياً مزيفاً، شبكات VPN، ومتصفح Tor لتخفي أثرها الرقمي أثناء إرسالها تهديدات بتفجيرات إلى مؤسسات حيوية كالمستشفيات والمدارس والملاعب، حتى إنها نسبت لاحقاً لنفسها حادثة تحطّم طائرة كارثية عبررسالة إلكترونية مشفرة، في محاولة لزرع الرعب وإثبات قدرتها على التخريب، ومع أن تقنياتها في التمويه كانت متقدّمة، فإن خطأً بشرياً بسيطاً، تسجيل الدخول من الجهاز نفسه إلى بريدها الحقيقي والمزيف، قاد إلى كشفها واعتقالها.
ما بين العاطفة والتكنولوجيا تجربة رينيه تكشف لنا في سوريا ضرورة ملحّة لمراجعة منظوماتنا الأمنية الرقمية، في ظلّ تنامي الاعتماد على البنى التحتية الإلكترونية في قطاعات الدولة، ومع تحوّل العالم الافتراضي إلى ساحة حرب غير تقليدية، فإن التهديدات لم تعد تقتصرعلى “الهاكرز” التقليديين، بل تشمل أيضاً أفراداً تقنيين يملكون أدوات رقمية وشحناً عاطفياً خطيرة، كما في هذه الحالة.
كيف نستفيد في سوريا؟.
أولاً: تعزيز قدرات الأمن السيبراني محلياً، إذ يجب الاستثمار في فرق متخصصة في تعقّب الجرائم الرقمية، مزودة بأدوات تحليل حركة البيانات وتتبع العناوين الرقمية IP Tracing والتقنيات المتقدّمة في اختراق الشبكات المظلمة.
ثانياً: الربط بين الجانب النفسي والتقني في التحقيقات، كما أظهرت حالة رينيه، لا يمكن فصل العامل العاطفي عن الجريمة الرقمية، من الضروري تدريب عناصر الأمن على فهم الدوافع الشخصية والنفسية إلى جانب الأدلة التقنية.
ثالثاً: مراقبة الأنظمة الحساسة والمؤسسات الحيوية، وينبغي إنشاء وحدة مراقبة إلكترونية خاصة للجهات الحكومية والمؤسسات الحساسة (مثل المطارات والمشافي والمنشآت الأمنية).لرصد الرسائل المشبوهة أو محاولات الاختراق في الوقت الفعلي.
رابعاً: نشر الوعي العام، إذ لا بدّ من حملات توعية دورية موجهة للموظفين في القطاعين العام والخاص، وللطلاب والمهنيين، حول خطورة الرسائل الرقمية المجهولة، وضرورة الإبلاغ الفوري عن أي تهديد إلكتروني.
خامساً: صياغة قانون جرائم إلكترونية متطور، إذ يجب على سوريا تحديث تشريعاتها الرقمية بما يواكب الجرائم المعقّدة التي تستغل التكنولوجيا، مع وضع عقوبات رادعة، وبنود واضحة لتجريم التهديدات المجهولة، ولو ثبت لاحقاً أنها “كاذبة”.
حادثة “خبيرة الروبوتات العاشقة” ليست قصّة خيالية، بل درس حقيقي من واقع تقني يتغير بسرعة في سوريا، ومع السعي إلى التحول الرقمي، يجب أن نكون مستعدين لمثل هذه السيناريوهات غيرالمتوقعة، حيث يمكن لرسالة إلكترونية واحدة أن تشلّ قطاعاً كاملاً. إن التكنولوجيا في حدّ ذاتها ليست عدواً، لكن الجهل بثغراتها هو ما يجعل منها قنبلة موقوتة.