الثورة – ناصر منذر:
الذكرى الثالثة والثمانين لجريمة سلخ لواء إسكندرون السليب في الـ 29 من تشرين الثاني عام 1939، تعيد إلى الأذهان التاريخ الأسود لتركيا التي استولت على اللواء وأخذته كنوع من الرشوة بموجب اتفاق ثلاثي مع الاحتلالين الفرنسي والبريطاني عام 1939مقابل وقوفها إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وهو ما يحاول اليوم نظام أردوغان تكراره من خلال استمرار احتلاله لأجزاء من الأرض السورية، ودعمه المتواصل للتنظيمات الإرهابية، وشن قواته عدوانا موصوفاً على قرى أرياف الحسكة والرقة والقامشلي وحلب.
الوقائع والحقائق الميدانية على الأرض، تؤكد بأن الجرائم التي يرتكبها النظام التركي اليوم بحق المدنيين السوريين وحقوقهم، فاقت ما ارتكبه أسلافه من مجازر بحق الأرمن وغيرهم، وفاقت أيضاً جرائم أجداده الذين سرقوا لواء إسكندرون، إلا أن الحق السوري في اللواء باق حيث لاتزال ذكراه خالدة في عقول السوريين ووجدانهم كأرض عربية سورية محتلة لابد أن تعود إلى أصحابها مهما طال الزمن.
لواء إسكندرون السليب سيبقى في وجدان السوريين المحافظة السورية الخامسة عشر، فأسماء الجبال والسهول والمدن في اللواء السليب تنطق بتاريخ وهوية الأرض، حيث أنطاكية وإسكندرون والريحانية والسويدية أسماء تفوح منها عروبة المدن، والأمانوس والأقرع وجبل موسى والنفاخ أسماء لا تخفي هويتها السورية.
اللواء السليب وقع – بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى- ضحية اتفاقية التقسيم (سايكس بيكو) التي تمت بشكل سري بين فرنسا وبريطانيا عام 1916، وكان من نصيب الاحتلال الفرنسي فاعترفت الدولة العثمانية بالهزيمة وأقرت بعروبة اللواء في معاهدة سيفر في الـ 10 من آب عام 1920 التي وقعت مع قوات الحلفاء. واستغلت تركيا اندلاع الحرب العالمية الثانية في الأول من أيلول عام 1939 والوضع القائم في أوروبا وحاجة الحلفاء إلى ضمها إليهم أو إبقائها على الحياد وخاصة أنها بعد معاهدة مونترو التي عقدت في ال20 من تموز 1939 أصبحت تسيطر على المضائق في زمن الحرب فأعلنت ضم اللواء نهائياً إليها.
وبقي اللواء بعد سلخه عن سورية من وجهة النظر القانونية الدولية منطقة مستقلة تتبع سورية في شؤونها الخارجية وترتبط معها في العملة والجمارك والبريد ولم تعترف عصبة الأمم التي قامت على أنقاضها منظمة الأمم المتحدة الحالية بكل الإجراءات والتغييرات التي أحدثتها فرنسا وتركيا باللواء والمخالفة للقوانين والأنظمة التي وضعتها.
يقع لواء إسكندرون شمال غرب سورية، ويطل على البحر المتوسط ممتداً على مساحة 4800 كم مربع، ويسكنه اليوم أكثر من مليون نسمة، ولم تكن تبلغ نسبة الأتراك فيه عام 1920 أكثر من 20 بالمئة، وقد حرره العرب في العام 16 للهجرة من الاحتلال البيزنطي، وأعادوا إليه هويته وعمروا أرضه وحصنوه كخط أول في مواجهة الروم البيزنطيين وبقي قلعة وثغراً عسكرياً متأهباً في مواجهة محاولات الغزو الخارجي.
بين لواء إسكندرون السليب، وبين الجولان المحتل تمتد شرايين وطن، تضخ فيها دماء أجيال لم تنس يوماً أنهما جناحان كبل أحدهما عدو صهيوني غاصب، وسلب الآخر، استعمار حاقد وقدمه بغير حق هبة لنظام تركي لم يخف مطامعه في أرض سورية يوماً، ولكن إرادة السوريين ستبقى هي الأقوى، في ظل تمسكهم بثوابتهم الوطنية، وبإصرارهم على مواصلة النضال ضد قوى العدوان والإرهاب، وإيمانهم بتحقيق النصر النهائي بتحرير ما تبقى من الأراضي السورية الرازحة تحت نير الإرهاب، بما فيها الجولان العربي السوري المحتل واللواء السليب.
