الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم:
في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي بدأت بنشر دراسات وقراءات نقديّة لأعمال أدبيّة منوعة تمحورت حول الشعر والقصة والرواية والخواطر و…. وهي لكتّاب وأدباء سوريين لهم حضورهم في المشهد الثقافي، ولعلّ ما يجمع بين مختلف تلك الكتابات والإبداعات الإهداءات التي تتصدر تلك الكتب أو المجموعات القصصية والشعريّة وهي بمثابة كلمة مفتاحية يمكن أن يستشف منها القارىء بعضاً من المحتوى.
إنّ المتتبع لحركة الكتابة والتأليف وما تطرحه المطابع يجد الإهداءات بمختلف مضامينها وهي بمثابة قوة جذب وتودد للقارىء والذي هو الغاية والهدف، كما تشكل تلك الإهداءات حافزاً للقراءة والمتابعة والبحث في آفاق المعرفة التي لا تنتهي.
كما تشكّل تلك الإهداءات بوابات عبور مفتوحة للدخول في متن الكتاب والغوص في جنباته وتفنيد أفكاره بما يعكس البعد الثقافي والمعرفي وخلفيات الكاتب وبيئته والتي تعد عاملاً مهماً في مسيرة أي كاتب أو مبدع..
ولا تخلو تلك الإهداءات في كثير من الأحيان من مرارة أو حزن عاشهما الكاتب، وبث من روحه فيضاً من المشاعر النبيلة يمكن أن تدفعك وبلهفة لقراءة هذا الكتاب أو تلك المجموعة الشعريّة أو القصصية.
كما لاتخلو في بعضها الآخر من طرافة أو فرح أو حالات نادرة قد لا تخطر على بال ؟!
معظم تلك الإهداءات غالباً ما تكون موجهة لأناس لهم تأثيرهم المباشر أو غير المباشر على الكاتب أو الشاعر أو المؤلف مثل :الأب، الأم، الابن، الزوجة، الحبيبة، المعلم…
أو يمكن أن تكون ذات طابع شمولي مثل :الوطن، الأهل، الأصدقاء، الرفاق، القرّاء، الإنسانية….
وهنا نتوقف عند مجموعة من الكتب ومضامين الإهداءات، ففي كتابه (كلمات خضر للأطفال ) للشاعر الكبير الراحل سليمان العيسى جاء الإهداء قصيدة طافحة بالحب والجمال و الكلمات اليانعة….
الأطفال
(ويغرّدون على يدي..
وأجدّدُ
نبض الوريد بهم
ويوشكُ يهمد ُ
أعطيهم ما أستطيع عطاءه ُ
أنا بالطفولة كلّ يوم أولد ُ
ووددت لو أني حكاية ً
خضراء
فوق سريرهم
ما تنفد ُ …)
ويمكن أن يكون الإهداء كلمات معبّرة تختزل الكثير مما ورد في الكتاب، يعدُّ مؤشراً لمحتواه، كما في كتاب (من مقام الوطن ..آراء في السياسة والأدب ) للشاعر محمد حديفي حيث جاء فيه :
(إلى كلّ قطرة دم مضمخة بالنور ورائحة الوطن قد سالت من أوردة شهيد، وكل دمعة حزن ولوعة سُكِبَت من عينٍ ثاكلة وهي تُلقي النظرة الأخيرة على فلذة كبدها حين أودعته تراب الأرض، إلى القامات العاليات المزروعة سياجاً يزنّرُ حدود الوطن حيث يتمترس حُماة الديار وأصابعهم مشدودة على الزناد.
إلى كل هؤلاء جميعاً كتابي هذا الذي كُتب على مراحل عاصرت الحرب الظالمة التي شُنّت على سورية والسوريين ).
في حين تكون بعض الإهداءات على شكل جمل قصيرة، أو مقطع من قصيدة أو مقطوعة معبرة كما في رواية (الظلّ الدائري ) للشاعر الدكتور جمال الدين الخضور (امتدت السواحل بعداً لا نهائياً في عينيه، استطال البرتقال نسيجاً مقدّساً في صدره، أينعت الزيتونة الموغلة في عظامه، فتح جمجمته..أدخل كلّ الأطفال، ملأها حنطةً وتمراً، سدّ قلبه باتجاهها…وضغط على الزناد )
أو يمكن أن يكون الإهداء ومضة شعرية، كما في مجموعة (هذا الدم …ذاك الفرح )للشاعر فؤاد كحل :
(إلى الريان
والقمم المجاورة
من خلال وداد القلب )
وضمن هذا المنحى لا بد من طرح مجموعة من الأسئلة ويأتي في مقدمتها :ما مصير الكتاب المهدى ؟
هل يأخذ حقه من القراءة والاهتمام وتسليط الضوء عليه وفق رؤية نقدية، بعيداً عن المجاملة الفجة، أو ما يُعرف بسياسة التلميع والتي ظهرت بقوة مع انتشار الفضاء الأزرق ؟!
كما أن حفلات توقيع الكتب هنا وهناك رغم نُبل الغاية والهدف فإنّها لا تخلو في بعضها، أو في هذا المطرح أو ذاك من شللية واضحة ؟! وكنا قد نشرنا في الملحق أكثر من مادة تلقي الضوء على مثل تلك الظواهر والتي أصبحت منتشرة بكثافة دونما حسيب ٍأو رقيب ؟!.
تظل الإهداءات مفاتيح دالة على شخصية الكاتب ومضمون الكتاب الذي يضعه بين أيدي القرّاء، وتُعد عرفاً متبعاً عند غالبية الادباء من كتّاب و شعراء و….
العدد 1123 – 6-12-2022