مجيب داوود في ذكراه السنوية.. العناصر المحلية ومرتكزات الخط الأسلوبي

الثورة – أديب مخزوم:

مرت في 8 كانون أول الذكرى السنوية لرحيل الفنان مجيب داوود ( 1940ـ 1978) الذي يعتبر أحد أوائل الفنانين السوريين الذين منحوا في تجاربهم المتنوعة إيقاعات اللوحة الفنية نفحة تكوينية وتلوينية جديدة، زاوجت في مؤشراتها المتحررة ما بين معطيات اللمسة اللونية المسطحة وإيقاعات الزخرفة المتداخلة مع الأشكال المختلفة (من إنسان وقوارب وطيور وعناصر حيوانية..) ومع هذه المعطيات الفنية المتحررة من قيود اللوحة التقليدية، بدأت لوحاته الحديثة تتجه أكثر فأكثر نحو الأجواء الشرقية، في انحيازها الواضح نحو التبسيط وإضفاء الملامح التعبيرية، وإبراز العناصر الزخرفية الخارجة عن إطار التناظر والصرامة الهندسية.
ومن الناحية التقنية استطاع الوصول إلى سطوح لونية وتشكيلية خاصة به، عبر التأكيد على جمالية المساحات القادمة من طريقة استخدام المشحف في الرسم الزيتي، كما أنه في لوحاته التي عرضها في منتصف السبعينيات في صالة دار المعلمين في طرطوس (وتيسر لي مشاهدتها وكنت وقتها طالباً في المدرسة) كان يميل إلى إظهار اختباراته التشكيلية الجامعة لعدة مظاهر تقنية ( زيتية وفلوماستر وأحبار وقصاصات ورقية ملونة..) باحثاً عن حضور بصري، ضمن اتجاهات المدرسة الجديدة المتحررة في التشكيل السوري، التي ساهم في تكريسها وتثبيتها حين استلهم عناصر البيئة بتكوينات تشكيلية ذاتية وخاصة مبنية على مبدأ تداخل الخطوط الانسيابية والمساحات المسطحة، والتي تقترب في مسارها الاختزالي الرمزي من التأليف المنتظم البعيد عن تعقيدات الانزواء داخل الشرنقة المتأزمة في الفن المعاصر، وبذلك أوجد خصائص أصيلة لمنطلقات لوحته التي قدمها في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي متخطياً بذلك أفقية الامتداد التصويري الواقعي، في خطوات الوصول إلى جوهر الأشكال وخلاصاتها، ولقد تواصل في تلك المجموعة من لوحاته، مع اللغة التشكيلية المعاصرة، التي تجمع بين الموضوعية، وبين التعبيرية الرمزية المعتمدة على عناصر التاريخ الحضاري الفولكلوري والزخرفي والحروفي.
ولقد استعاد عناصر لوحاته من مخزون الذاكرة البصرية وتداعياته العاطفية معاً، إنها اللوحة المشرعة على الأحاسيس الإنسانية العميقة وعلى الرموز الحضارية التي برزت في لوحاته كإيقاعات عقلانية مركزة، على أساس أن الصياغة التشكيلية الجادة تتطلب قدراً من الوعي وهذا ما نجده في تنويعات أعماله المختلفة القائمة في معظمها على تقنية تسطيح المساحة وتوحيد اللون ضمن المساحة، حتى أنه استخدم في بعض أعماله تقنية إلصاق قصاصات ورقية ملونة، وهذه الطريقة خدمت لوحته وتوجهه التقني المشرع على كل الاحتمالات التعبيرية في الفنون التشكيلية الحديثة والمعاصرة.
ويمكن القول إنه استعان بتعبيريته بالكثير من الرموز والإشارات والانفعالات اللونية، التي تعتمد على حركة الرسم العفوي والتلقائي، والذي نجده في الحركات اللونية المسطحة الناتجة عن لمسات مشحف الرسم، رغم أنه من جهة أخرى كان يركز لإظهار حركة الخط المتواصل الذي يحدد العناصر والإشكال المتداخلة في اللوحة ضمن صياغة أسلوبية خاصة ولصيقة به بقدر اعتمادها على المخزون الثقافي، القادم من تأملاته المتواصلة لمعطيات التراث المحلي والعربي.
وهذا يعني أن الخصائص الأساسية في أعمال مجيب داوود تكمن في أسلوب الحفاظ على العصب التشكيلي الخاص المتملص في أحيان كثيرة من معطيات الفنون الأوروبية، والمنفتح على تداعيات التراث الحضاري في خطوات الوصول إلى صياغة أسلوبية مميزة تتسم بالترابط التشكيلي الخالص، الذي يتجاوز من الأساس السياق البصري الأكاديمي أو الواقعي إلى درجة امتنع فيها عن تصوير الأشكال المألوفة في الفضاء المرئي.
وهذا ما أعطاه شرعية البقاء في ذاكرة الأجيال، لا سيما وأن وزارة الثقافة أطلقت اسمه منذ سنوات طويلة، على مركز الفنون التشكيلية في طرطوس، تقديراً لدوره الطليعي والفعال، في بروز نهضة الفن التشكيلي السوري والعربي، حيث كان سباقاً في كسر تقليدية اللوحة الخاضعة لمنطق القرون الوسطى، والوصول إلى صياغة فنية متطورة لها حضورها الخاص والمتفرد.
مجيب داوود من مواليد رويسة المندرة قرب صافيتا عام 1940، درس الفن في القاهرة ودمشق، وسافر في جولة اطلاعية إلى باريس عاصمة الحداثة التشكيلية، وأقام خلال حياته القصيرة ثمانية معارض فردية. إضافة لمشاركاته في معارض دولية في أكثر من عاصمة ومدينة عالمية وعربية، وكان رحيله في 8 كانون الأول عام 1978 بحادث سير مفجع، وهو في أوج النشاط والحيوية والعطاء الإبداعي.

آخر الأخبار
افتتاح أول فرن مدعوم في سراقب لتحسين واقع المعيشة " التنمية الإدارية" تُشكل لجنة لصياغة مشروع الخدمة المدنية خلال 45 يومًا تسويق  72 ألف طن من الأقماح بالغاب خطوط نقل جديدة لتخديم  5  أحياء في مدينة حماة مستجدات الذكاء الاصطناعي والعلاجات بمؤتمر كلية الطب البشري باللاذقية تحضيرات اللجنة العليا للانتخابات في طرطوس الوزير الشيباني يبحث مع رئيسة البعثة الفنلندية العلاقات الثنائية تناقص مياه حمص من 130 إلى 80 ألف م3 باليوم تحضيرات موتكس خريف وشتاء 2025 في غرفة صناعة دمشق وزارة الخزانة الأمريكية تصدر الترخيص 25 الخاص بسوريا .. رفع العقوبات وفرص استثمارية جديدة وتسهيلات ب... مجلس الأمن يمدد ولاية قوة "أوندوف" في الجولان السوري المحتل إعلام أميركي: ترامب يوقع اليوم أمراً تنفيذياً لتخفيف العقوبات على سوريا عودة مستودعات " الديسني" المركزية بريف بانياس تكريم الأوائل من طلبة التعليم الشرعي في التل انعكس على الأسعار.. تحسن قيمة الليرة السورية أمام الدولار "الاقتصاد".. منع استيراد السيارات المستعملة لعدم توافق بعضها مع المعايير ١٥ حريقاً اليوم ..و فرق الإطفاء في سباق مع الزمن لوقف النيران الشيباني يبحث مع وفد من“الهجرة الدولية” دعم النازحين وتعزيز التعاون "السودان، تذكّر" فيلم موسيقي عن الثورة والشعر ٥٢ شركة مشاركة... معرض الأحذية والمنتجات الجلدية ينطلق في حلب