الثورة – غصون سليمان:
سورية القوية بشعبها وجيشها وقيادتها تلملم جراحها وحيدة كما العادة، وتعصر آلامها على محك الطوارىء والأقدار في مرمى الجغرافية والطبيعة.. هو الزلزال مرة أخرى لكن بحسابات جيولوجية وعلمية دقيقة لايمكن التكهن بمساحة خطورتها وساعة غفلتها وخطاياها..
كانت ليلة عصية، وفجر فجَّر معه آلاف الصيحات وملايين الدعوات خرجت من أعماق القلوب الخائفة والعيون الدامعة، تبحث بين الركام هنا وهناك عن بقايا أنفاس ربما فيها بعض الرمق، وأرواح تئن معلقة على حبال النجاة، فيما أثير التواصل تجمَّد هو الآخر فلا صوت يُسمع، ولارجع صدى لأحبة كانوا هنا وبلمح البصر اصبحوا هناك في جوف الموت الذي أخذ أشكالاً وصوراً موحشة.
ديمة الصبية الجميلة قضت نهارها الطويل يوم أمس وهي تسأل وتستفسر عن قريبتها وأولادها في قرية ” عين الكروم “ريف حماه الغربي حيث أنهار السكن بطوابقه الثلاث، ورغم كل عمليات البحث لم يعثر أحد عليها وأولادها الصغار لتبقى التأويلات والتخمينات مفتوحة على الف سؤال وسؤال.
ماأقسى لحظات الفقد لعائلات بأكملها، لصغار تركوا ألعابهم ودفاترهم وربما بعض لفات الزعتر .
أطباء وأساتذة ورجال دين ومن مختلف الاختصاصات الأخرى خسرناهم بإرادة خارجة عن أمنياتنا وتمنياتنا.
قدرنا كسوريين أن نخوض امتحانات الحياة وننجح في اختباراتها ولو بدرجات متفاوتة، بعد خوض غمار حرب إرهابية على مدى اثني عشر عاماً..
السوريون كما عهدناهم وعهدهم الوطن قدموا ويقدمون كل لحظة الصورة الأنصع والأبهى والأجمل بتكافلهم وتعاضدهم من جيش ومؤسسات وأفراد ومنظمات واتحادات ونقابات مهنية، يؤازرون بعضهم البعض بكل مايستطيعون ويملكون من قدرات وطاقات مقدمين المساعدات المادية والإنسانية والغذائية والصحية فيما البحث مازال على قدم وساق بين الأنقاض للعثور على الضحايا.
لوحة العمل التطوعي تتصدر أرض الواقع حيث الغيرية والمسؤولية الاجتماعية هي صفة ملازمة لجوهر الانسان السوري الأصيل الذي بقي وفياً لمبادئه، مخلصاً لعمله، محباً لتراب أرضه، قبلته جغرافية الوطن وبحر دمه تاريخ لا ينسى.
فجر سورية الحزين كشف عورات مجتمع الغرب المنافق المدَّعي لشعارات حقوق الإنسان، والتمدن والحضارة، فيما يغلف جلده وداخله بشعوذات الكراهية وسحر التضليل.. فكم هو عار على الإنسانية جمعاء أن تكون يتيمة في حالة سورية المحاصرة بحقد الغرب، وأن يكون كل هذا الخجل من حكوماتها ومنظماتها الأممية، فيما درة الشرق تستغيث وترفع عن صدرها ركام مادمره الزلزال للحجر والبشر.
لكن لا ضير.. لطالما السوريون يجيدون ابتكار الوسائل والأساليب والإجراءات، ويوظفون ادواتهم الأخلاقية والوطنية حيث يجب أن تكون وقت الشدائد والملمات، ولنا في صور المحبة والتكافل عنوان النصر والانتصار الأكبر على كل تحديات الحياة.
