الثورة- فؤاد مسعد:
امتلك الفنان السوري على مر الأيام حسا عاليا بالمسؤولية تجاه مجتمعه ووطنه، فله دوره المتقدم والمؤثر الذي يؤديه عند الشدائد، وخلال كارثة الزلزال التي خلفت وراءها خراباً وضحايا ومنكوبين سعى الكثير من الفنانين إلى الوقوف مع الناس صفاً واحداً، وتداعت نقابة الفنانين منذ اللحظات الأولى لتكون فاعلة على الأرض تلملم الجراح هنا وتسعى إلى مد يد العون بأوجه مختلفة هناك، وضمن هذا الإطار كان لنا لقاء مع الفنانة تماضر غانم رئيس فرع دمشق لنقابة الفنانين لإلقاء الضوء على آلية تعاطي النقابة مع الكارثة وتداعياتها.
الدور المؤثر :
أكدت في بداية حديثها أن النقابة جزء لا يتجزأ من الوطن، وعند وقوع فاجعة أو نكبة سيكون الفنانون في مقدمة من يسارع إلى المساعدة والتبرع، قالت: “أطلقت النقابة برئاسة نقيب الفنانين محسن غازي حملة التبرع بالدم، والدم أغلى ما يمكن أن يقدمه الإنسان، كما أطلقت حملة التبرع بالمال وتجاوب الفنانون مشكورين مع الحملة، وقمنا بنشر التبرعات المادية بالأرقام لنحفز الآخرين بشكل أكبر”، وأشارت إلى أن نشر الأرقام لم يكن من باب المزايدة وإنما من باب تشجيع وتحفيز الآخرين للمشاركة، فهناك فنانون تبرعوا بالمال وبالمواد العينية ومن قدموا بيوتهم لإيواء المنكوبين وسياراتهم لإيصال المساعدات، أما الموسيقيون فرغم أن عملهم توقف بسبب توقف الحفلات بعد الزلزال “أي أنه لم يعد لديهم مردود مادي” إلا أنهم تبرعوا ولم يتوانوا عن المساعدة، حتى أن هناك موسيقيا تبرع بجرة الغاز عندما حان دوره فيها وأوصلها إلى محتاجيها.
وتشير إلى أن هناك فنانين ذهبوا إلى مكان وجود المنكوبين، كما ذهب إلى حماه كل من الأستاذ محسن غازي والموسيقي هادي بقدونس نائب رئيس الفنانين والمخرج أسعد عيد رئيس المكتب القانوني، تقول: “إن فنانين هم حالياً خارج سورية تواصلوا معنا، ومنهم الفنانة لورا أبو أسعد التي كانت معنا لحظة بلحظة من أجل التبرعات، والكاتبة ديانا فارس بالإضافة إلى العديد من الموسيقيين.. كما قدم فنانون منازلهم لتأوي المنكوبين ومنهم من استأجر للمتضررين منازل لمدة عام”.
تفاعل الفنانين العرب
تم تناقل تصريحات على السوشيال ميديا عن تبرع فنانين عرب بمبالغ كبيرة، حول الخط الفاصل بين الحقيقة والشائعة في هذا الأمر قالت: “الحقيقة تجدها عندنا في نقابة الفنانين وقد نشرنا المبالغ بالأرقام، أما حول ما كُتب على السوشيال عن فنانة هنا أو فنان هناك تبرعوا بمبالغ ضخمة، فلا أستطيع النفي أو التأكيد لأننا كنقابة لم يصلنا منهم شيء، ولكن عندما تقول فنانة إنها تبرعت للمنكوبين فينبغي تأكيد هذا التبرع من جهة ما، فأين الوصل الخاص بالتبرع ومن الجهة التي استلمت المبلغ؟.. أقول ذلك لأنه تم تداول اسماء كبيرة على أنها تبرعت” .
وتؤكد في هذا السياق أن المال الذي تم التبرع به عن طريق نقابة الفنانين لم يدخل إلى حساب النقابة وإنما ذهب إلى المصارف “حساب المحافظة”، وهناك اشعار وصل إلى الفنان المُتبرع، وقد قسّمت المبالغ بالعدل بين حلب واللاذقية وحماة.
ومن جهة أخرى تقول الفنانة تماضر غانم رئيس فرع دمشق: “هناك فنانون من الكويت والأردن وتونس ومصر والإمارات بادروا وتواصلوا معنا مشكورين لإيصال مبالغ مالية عن طريق النقابة، كما أرسل فنانون من الأردن مساعدات عينية إلى المحافظات” .
رؤية مستقبلية
حول الرؤيا التي تم وضعها للمرحلة القادمة، تقول: “كان الهدف بداية محاولة التقليل من الوجع، ولكن المرحلة الثانية هي محاولة للتعمير واستئجار منازل للمنكوبين لمدة سنة إلى حين إعادة الإعمار، وقد بدأ فنانون بإنجاز الخطوة فعلاً ومنهم الفنان مصطفى الخاني في حماة، وهناك من تحدثوا أيضاً عن إمكانية استئجار منازل للمنكوبين، فالعطاء مستمر” وتشير إلى أن هناك فنانين قد لا يملكون القدرة المالية للتبرع ولكنهم مؤثرون في المجتمع فذهبوا إلى الجمعيات وجمعوا المساعدات حتى من محيطهم.
وعن إمكانية تنظيم النقابة زيارات للفنانين إلى الأماكن المنكوبة لمحاولة التخفيف عن المتضررين، خاصة أن كلمة من نجم محبوب قد يكون لها أثرها البالغ في النفوس، تؤكد أنهم سيذهبون إلى تلك المناطق، فهناك تواصل بين النقابة والفنانين وسعي لحصر مراكز الإيواء وأماكن تواجد التجمعات، ومن الأفكار المقدمة أيضاً تقديم أعمال للأطفال، تقول: “جميعنا كدراميين وموسيقيين نحاول الوقوف إلى جانبهم” .
إيصال الصوت
حدثت حالة استنفار للعديد من صفحات الفنانين على الفيسبوك فكانت بمثابة صلة وصل حقيقية تنقل الصورة والمعلومة بين مختلف الجهات ذات العلاقة، حول الدور الذي لعبته هذه الصفحات خلال الكارثة “خاصة أنه من بينها الصفحة الشخصية للفنانة تماضر غانم”، تقول: لم يكن هناك كهرباء بشكل كبير وليس هناك شبكة للاتصال فسعينا إلى تحويل صفحاتنا وكأننا نعمل على الأرض، وكان الحل العمل عن طريق الانترنيت فأوصلنا الصوت إلى أبعد مدى، كنت آخذ خبرا فيقوم الفنانون بنشره “يشيّرونه” على صفحاتهم فيصل الصوت من خلال ما لديهم من متابعين كثر، وبالتالي إن كان هناك قرية منكوبة أو عائلة تحت الأنقاض تجد من يذهب لإنقاذهم، وهذا الصوت كان له دور مؤثر ومساعد.
النقطة الأخيرة التي تمت إثارتها خلال اللقاء سؤالها عن موقفها مما تناقلته بعض الصفحات على الفيسبوك من أخبار حول عدم وصول مساعدات إلى عدد من المنكوبين، فأشارت إلى أنها علِمت بحالات فردية محصورة جداً تمت معالجتها بوقتها، وتحدثت بمرارة عمن أسمتهم بالطابور الخامس الذين نادوا بعدم إرسال المساعدات، تقول: هناك من يعمل على الأرض ويسعى إلى جمع المساعدات وإيصالها، وللأسف هناك من يجلس في منزله ويسعى إلى عرقلة العمل، فعندما يتم نشر مثل هذا الكلام قد يحجم المتبرع عن تقديم تبرعه، وهناك أكثر من زميل في الخارج عندما سمع بما تمت إثارته وكان يريد التوقف عن العطاء ولكنه استمر في العمل والعطاء.