بشرى خليل سليمان:
نعلم جميعاً أن الفن لغةٌ عالميةٌ، وخصوصاً الرسم، فهو لغة من لالغة له، يعرفها كل إنسان حتى قبل أن يجيد القراءة والكتابة، وقد تربع على عرش الخطوط في كل مكانٍ وزمان.
ولعل هذا السبب منطقي ربما ومبرِّر عند الطفل ” تاج ” محور هذه المادة لشدة إعجابه بخالته الفنانة التشكيلية هبة إبراهيم، وملاحقاته المحبَّبة لها كي يعطيها أفكاراً ثمينة تصلح مواضيع هامة للوحاتها، وبالفعل تحولت فكرته عن الشجرة السوداء والورقة البيضاء إلى لوحةٍ حقيقية رسمتها الخالة بعد أن اختاره القدر في زلزال 6 شباط الأسود ليكون أحد ضحاياه.
صحيفة الثورة التقت الخالة هبه ابراهيم للحديث عن الطفل تاج الدين جوخدار ولوحته قائلةً : بدأ تاج يطلب مني رسم لوحة بعد وفاة والدتي (جدته) وأخذ يصفها لي كمشهدٍ يتم فيه سقوط ورقة بيضاء وحيدة متبقية على شجرة سوداء قائلاً أنها تعني أو ترمز لصعوبة الحياة وقسوتها، لكن يبقى هنالك القليل من الأمل، وقتها لم أنفذ اللوحة لأنني كفنانة أعرف تماماً مامعنى أن يفكر طفلٌ بهذا العمق، وكان مؤلماً لي لأنه تاج طفل ابن العشر سنوات و أصغر الأحفاد لكنه أكبر من عمره، ثم عاد يطلب اللوحة باستمرار حتى قبل رحيله بأيام و بإصرارٍ أكبر من ذي قبل، وبأنه يملك الكثير من الأفكار لكنه لايستطيع الرسم، فوعدته بتنفيذ رغبته شرط أن يكتب كل مايخطر بباله من أفكار تشجيعاً له وتنميةً لموهبته في الكتابة، إلا أنه رحل في كارثة الزلزال وتركنا غير مصدقين غيابه وهو النشيط الممتلئ حيويةً ومحبة، لطالما فاجأنا باتزانه وتحمله للمسؤولية ومساعدته لأمه في غياب أبيه و أخيه الأكبر، كان متفائلاً يحب الحياة والرياضة، إيجابياً ومؤثراً لدرجة أنه أسس نادياً صغيراً يدرب فيه رفاقه الذين يعانون من البدانة، وبالفعل كانت النتائج إيجابية، إنه الفتى القبضاي.
الرسم وسيلة للتشخيص النفسي
تؤكد إبراهيم أن رحيل تاج ترك ألماً لايوصف و جمراً لا دموعاً، ليس عليه فقط بل على أبيه وكل ضحايا الكارثة، فقد عاناها الجميع وآلمها الحدث بشدة، فجاءت لوحة تاج للجميع، إذ من المفترض أن حساسية الفنان عالية، وقدرته على تجسيد الواقع كبيرة ، فالفن هو مكنونات النفس وأفكار ومشاعر وهو صادق لايستطيع الإنسان الكذب فيه، لذلك هو وسيلة للتحليل النفسي عند الكبار وعند الأطفال خاصةً فالطفل يعبر عن نفسه وعن أسرته ومجتمعه ومايرى ويشعر ويختبر، بخطوطه و ألوانه وأفكاره، وأنا كفنانة أدعو للاهتمام بهذا الموضوع عند الأطفال لأنه يخبرنا ما في أعماقهم من أثر، فالرسم وسيلة للتشخيص النفسي ووسيلة للعلاج لمن يميل للفن.
أما بالنسبة للكارثة الأخيرة ترى إبراهيم أن تأثيرها على رسوم الأطفال يعود لنفس وطبع كل طفل، لكن غالباً الخوف سيكون واضحاً ومسيطراً على الأطفال عانوا قسوة الحرب بسنواتها الطويلة وتبعاتها المخيفة، وهناك بالمقابل أطفال شجعان لايأبهون بالمخاطر متفائلون بطبعهم كحال تاج الذي لو نجا من الزلزال، لترجم ماحصل في هذه المحنة بشجاعةٍ وقوةٍ وإيمان كعادته دائماً ، فسلام لروحه النقية وعيونه الخضراء، وضحكته وعبارته التي لاتُنسى (شجرة سوداء وورقة بيضاء).