فاتن دعبول:
مسرحيات ثلاث ضمتها مجموعة سامر منصور، وعبَّر عنها بأنها مسرحيات كتبت كأدب ولم تكتب للخشبة، بل هي نص أدبي يتضح ذلك في كثرة الشخوص والمناخات الخيالية التي فيها.
و أقام فرع دمشق ندوة للإضاءة النقدية للمجموعة المسرحية” ثلاث مسرحيات” بإدارة الزميلة سعاد زاهر رئيسة قسم الثقافة التي عبَّرت بدورها عن أهمية توجه الشباب إلى التطرق لكتابة فن هو من أصعب الفنون، لكنه بات حاجة وضرورة في وقتنا الراهن، لأنه فن تفاعلي يكرس القيم السامية.
وفي تقديمه ثمَّن د. إبراهيم زعرور عالياً الجهود التي تبذل من قبل الشباب الواعد، وتوجههم نحو عالم الثقافة بفنونه الواسعة، وعلى وجه الخصوص فن المسرح الذي يحتاج إلى تقنيات مختلفة وثقافة رحبة من أجل تحقيق الهدف الأسمى للثقافة وهو الوعي والانتماء الحقيقي للوطن.
– نملك مواهب متميزة..
وبيَّن سامر منصور مؤلف المجموعة المسرحية، أن المجموعة تضم ثلاث مسرحيات.. الأولى بعنوان” زيوس بيننا، محاكمة بروميثيوس” وكما هو معروف أن هذا الأخير سرق شعلة المعرفة وأخذها إلى عالم البشر من أجل نشر التنوير، لكن زيوس عاقبه، وهذه الفكرة جذبت منصور فاشتغل عليها لأنها تهدف إلى نشر العلم والوعي والقضاء على النزاع والحروب والصراع بين الشعوب.
ويقول: حملت المسرحية الثانية عنوان” اللوحة الناقصة” وتتحدث من خلال لوحات متعددة عن معاناة الطفولة ومعاناة الأيتام والمرأة عندما تُظلم وتُضطهد في الشرق، كما تتطرق المسرحية إلى بعض الناس الذين يسعون إلى الربح السريع والكسب غير المشروع في بيئات مختلفة، مع الحرص أن تحمل الحكايات روح التراث العربي.
أما المسرحية الأخيرة فقد حملت عنوان” الفرح السام” وهي تنتمي إلى الخيال العلمي، وترد على ما يقدمه البعض في الأفلام السينمائية بأن الكون قريب من النهاية، وأن البشرية في طريقها إلى الحضيض والانحطاط، وتسعى هذه الأفلام إلى تسطيح الفكر، وحاول بدوره أن يؤكد بأن العلماء قادرون بعلمهم أن ينقذوا الكون وينشروا المعرفة والوعي، وليسوا دائماً أداة بيد أصحاب الأموال الضخمة والذين يرسمون سياسات العالم.
ويتمنى أن تتضافر الجهود لرعاية الشباب الواعد، ودعمهم، لأن طاقاتهم المبدعة تستحق.
– المتعة أولاً..
وتوقف المسرحي يوسف المقبل عند تجربة الشاب سامر منصور برؤية مسرحية، وبيَّن أن أيَّ جهدٍ يٌبذل اليوم في كتابة النص المسرحي في زمن يهرب الكثير من المسرح باتجاه أماكن أخرى، هو جهد يُقدَّر، ولكن أكَّد بدوره أنه لا يستطيع قراءة نص مسرحي إلا من خلال تصور ما سيؤول إليه الوضع على خشبة المسرح.
وقال: ما كتبه منصور هي نصوص أفكارها قابلة أن تكون عروضاً مسرحية مهمة جداً، ولكنها تحتاج لميزانية كبيرة، لأن النصوص يغلب عليها حالة السرد الطويل، فالمسرح كما هو معروف ليس أدباً بل هو” لحم ودم وخشبة”، أي تحويل الكلام المكتوب على الورق إلى شخصيات من لحم ودم ومشاعر تنبض بالحياة على الخشبة.
وتوجَّه إلى الكاتب بأن يكتب نصوصاً قابلة للتنفيذ على الخشبة، لأن للمسرح لغته الخاصة في بناء الحدث والشخصيات، وأن يدخل مطبخ المسرح ليطَّلع على كيفية تصنيع العرض المسرحي، وكيف تتم محاورة المادة المكتوبة بين فريق العمل، فالمسرح يعتمد على المتعة أولاً، والمسرح لا يقرأ إلا على الخشبة.
– الكاتب مرآة عصره..
وبدأ سمير عدنان المطرود “مقر جمعية المسرح” مداخلته بمباركة للحركة المسرحية بولادة كاتب مسرحي سيكون له شأن كبير في المستقبل، وبيَّن أنه لن يقدم دراسة تحليلية للمجموعة المسرحية، بل تقديم فكرة تقريبية شاملة عن
السمات المميزة لها، فمن الصعوبة تحديد سمت محدد لهذه المجموعة أو تحديد معيار دقيق لقياس المواضيع التي يكون فيها الكاتب في حالة من المفارقة أو المقاربة أثناء رحلته مع المحسوس والمجرد، ويكون ذلك من خلال الرؤية العينية تارة أو مع الرؤية القلبية تارة أخرى.
وبيَّن أن المجموعة باقة ورد ذات ألوان متعددة وأريج مغاير، فالفضاءات الشكلية تتوزع بين عدة مدارس، فهي لم تعتمد على البنية الكلاسيكية المتعارف عليها من حيث تقسيم المسرحية إلى فصول وكل فصل إلى ثلاثة مشاهد، فهو قد كسر هذه القاعدة وقدم لنا شكلاً لا يتقيد بعدد محدد من المشاهد، مقحماً تقنية التغريب، وكأنه بذلك يطلب من المتلقي عدم الاندماج مع الشخصيات والأحداث، بل يوجه الجمهور إلى التواطؤ معه، وخصوصاً أن الشخصيات تحمل فكر الكاتب.
وأضاف: أراد منصور أن يكون حاملاً لسمات الفرادة والتمايز والخصوصية في الإفصاح عما بداخله، لأن ذات الكاتب هي مرآة شفافة تعكس ما يجري على أرض الواقع في زمن الصقيع وزمن الموت، وكأنه يوجه البوصلة إلى تلك المقولة العظيمة التي تتمحور حول الإنسان” أتحسب نفسك جرماً صغيراً، وفيك انطوى العالم الأكبر” فالإنسان يقف في المركز وحوله يتمحور كل شيء في هذا العالم، والذات الخاصة عند الكاتب هي المحرك دائماً لمركز الفعل، وهي الذات المتوجعة من قبح الفتن والحروب، وهي
نفسها تفتح نوافذها على اتساع المعمورة ورحابتها، وهي المنعتقة من إسارها والذاهبة للتعبير عن خلجات النفس وعوارض الحياة الإنسانية بكل تجلياتها.
– أريدك أن تكتب مسرحاَ..
ويبين داود أبو شقرا أن الكاتب سامر منصور يريد أن يطرح في مجموعته المسرحية فلسفته، استناداً إلى الأساطير القديمة التي أسست لتاريخنا المسرحي لكي يقول أفكاراً محددة في عرض هو أقرب إلى السرد والوصف منه إلى الحوار المسرحي، ولعل بوابة العبور إلى ذلك هو الفعل المسرحي، والذي تفتقر إليه هذه النصوص، ربما لعدم الدراية” كيف نؤلف مشهداً مسرحياً، وكيف يمكن للحوار المسرحي أن يكون.
وتوقف عند البناء الدرامي للنصوص الثلاثة، وبيَّن أنه إذا لم يفهم الكاتب حقيقة كيف يمكن أن تبنى الأفكار على هيكل عظمي اسمه الدراما، فكأنه يكتب شيئاً آخر، فالمسرح دراما” فعل، صدام، حوار وصراع” وإذا خلا النص من هذه المفردات فهو ليس مسرحاً أريدك أن تكتب مسرحاً.
وتلا الندوة مجموعة من المداخلات التي أغنت الندوة وشكلت قيمة مضافة في مجال الكتابة للمسرح.