يحوم وزير خارجية واشنطن انتوني بلينكن بطائرته فوق الشرق الأوسط ويفتش عن مكان للهبوط على خارطة الاحداث المتسارعة في مشهد المنطقة عموماً والمشهد العربي تحديداً، وبعد أن اقلع بالوعود لإسرائيل بانقاذ كيانها من التطورات الجديدة وخاصة في المصالحات الخليجية والعربية- الايرانية،
يتهشم الوجه الدبلوماسي الأميركي الذي هوى من علو إقلاعه وارتطم بالكثير من المستجدات ليس أولها تخفيض إنتاج أوبك من النفط ولا أخرها فتح السفارات بين السعودية وإيران، بل هناك الكثير من المستجدات التي لا تعني أن إسرائيل فقط فقدت مفعول التطبيع في المنطقة بل واشنطن بحد ذاتها باتت على محك المتغيرات وفقدت كثيراً من تعويذات الفتن في المنطقة لدرجة أن حتى القواعد الأميركية في الخليج لم تعد حجج وجودها قائمة وبات عليها البحث عن تعبير آخر وإخراج مختلف لوجود تلك القواعد إذا ماصدقت التوقعات بإنشاء تحالفات أمنية وعسكرية بين دول المنطقة وإيران.
قد تشعر واشنطن بالعزلة في المنطقة هذه الأيام وربما حضور بلينكن إلى السعودية مغلف بالحفاظ على الشراكة والمكتسبات، ولكنه في واقع الأمر عملية إسعاف دبلوماسية تبدو فاشلة لما تعتبره واشنطن خروج عن سيطرتها في الشرق الأوسط، وأي اتفاقات أو وعود سيجنيها بلينكن لن يكون لها تأثير كبير، فالتغيرات الكبرى حصلت وانتهى الامر، والمصالحات تمت بأسرع مما كنا نحن نتوقع، فما بالكم في حسابات التعجرف الأميركي الذي لم يستوعب أن النمو المتسارع للصين لن يكون تكنولوجيا وتجارياً فقط، بل هو اليوم يثبت تفوقه الدبلوماسي الذي هزم عقوداً من الفتنة الأميركية بين الخليج وإيران وفي المنطقة كلها ونجح في مساعي المصالحة بين الرياض وطهران.
اليوم يبدو بلينكن في الخليج كمن ينفث في عقد الشعوذة القديمة والمهترئة، فالكل يسعى للسلام والنمو والمشاريع المشرقة وخاصة في السعودية، بينما تبقى أميركا تشد في الحبال الذائبة وتطمئن اسرائيل الخائفة بتصريحات مكررة بأن أمن إسرائيل من أمن أميركا فهل هي صادقة حتى مع نتنياهو ..
ثمة من يقول إن حتى واشنطن تفكر باتفاق جزئي مع ايران، لذلك وأكثر نرى التشاؤم ينز من مقالات وتصريحات (تل ابيب) لدرجة أن صحيفة هآرتس تقول إن أضواء التحذير بالنسبة لإسرائيل مشتعلة على كل خارطة الشرق الاوسط، ويبدو أنها بدأت منذ انتصار سورية على الارهاب، ومن ثم مشاركة دمشق في قمة جدة وخطاب الرئيس بشار الأسد هناك .. فهذا المشهد يتكامل مع ماجرى ويجري في المنطقة، وثالوث التخوف الاسرائيلي اليوم في سورية يتلخص بفتح السفارات في دمشق والتعاون العربي والاقليمي لإعادة الإعمار والضغط على الغرب لرفع العقوبات ..بالتالي تعافي سورية ومصالحة عربية مع إيران ..فماذا تعني اتفاقات أبراهام بعد الآن؟.