مركز الوثائق التاريخية في دمشق… ذاكرة وطن وتاريخ أمة

الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
حطَّت رحالنا في مركز الوثائق التاريخية الواقع في حي سوق ساروجا الدمشقي العريق بين حاراتها وأزقتها الفوَّاحة برائحة الياسمين، حاملةً ذاكرة وطن، لذا ولجنا من باب التراث الكبير بين السجلات والوثائق في بيت شُيِّد بالقرن الثامن عشر، أثناء الحقبة العثمانية من حيث الطراز وإسلامية التخطيط العمراني. وشهد بأقسامه الثلاثة العديد من الأحداث السياسية المهمَّة باعتباره كان بيتاً لرئيس الوزراء الأسبق خالد العظم.
أقسام البيت
يحمل البيت ذاكرة  مرحلة تاريخية مهمَّة. قامت الحكومة السورية باستملاكه عام 1969م، لمصلحة المديرية العامة للآثار والمتاحف، ثم جرت أعمال الترميم الشاملة، وامتدت بين عامي 1970- 1980، حيث خُصِّص الجزء الأول منه لمتحف دمشق التاريخي. وينقسم إلى قاعات عدة يعرض فيها الأثاث الدمشقي القديم بمختلف أشكاله، والموزاييك، والصدف المطعَّم بالفضة، ومفارش البروكار، أو أي القماش الدمشقي المصنوع من الحرير الطبيعي.
بينما خصّص الجزء الثاني للوثائق التاريخية من مطبوعات ومخطوطات وصور للملوك والزعماء العرب وصور لسورية في حقب مختلفة، ووثائق تحاكي الزمن الغابر. أكثر من خمسة ملايين وثيقة ومخطوطة يعود تاريخ أقدمها إلى ما قبل خمسمئة عام.
قرار التأسيس
التقينا مدير عام مركز الوثائق التاريخية الدكتورغسان عبيد فأشار بأنَّ الآثار تنقسم إلى ثلاثة أقسام: مادية ثابتة وتتمثل بالقلاع والقصور والبيوت؛ وآثار مادية مُتحرِّكة كالأثاث في المنازل والقصور والحمامات والخانات؛ واللامادي يتمثَّل بالوثائق والكتب والجرائد والمخطوطات و المراسيم التشريعية والقوانين بما تحتويه من معلومات عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية وغيرها. أما المركز فمهمته حفظ التراث اللامادي، إذ تأسَّس عام 1959م بموجب القرار رقم 29/آ الصادر عن وزير الثقافة والإرشاد القومي في الجمهورية المتحدة، والقاضي بإنشاء مديرية الوثائق التاريخية، وإلحاقها بالمديرية العامة للآثار والمتاحف.
واتخذ المركز مقرَّاً له في بناء بساحة الشهبندر في دمشق، وفيما بعد نقل إلى بيت تاريخي أثري كان منزلاً لرئيس وزراء سورية السابق خالد العظم. يهتمُّ بجمع الوثائق كافة بما يتعلَّق بتاريخ الجمهورية العربية السورية بشكل خاص والقضية العربية في النصف الأول من القرن العشرين. ويعمل على تنظيمها وفهرستها يدوياً والكترونياً، وحفظها وترميمها، ومن ثم إتاحتها للباحثين والمهتمِّين في أنحاء العالم كافةً. ويعمل على تحقيق أهمّ أهدافه في الحفاظ على ذاكرة الأمة.
ولفت المدير بأنَّ المركز يُقسم إلى سبعة أقسام: العثماني ووثائق الدولة والصحفي والتصوير والميكرو فيلم، إضافة إلى القسم الخاص والمكتبة التاريخية وقسم الترميم.
القسم العثماني
يضمُّ مجموعة من سجلات المحاكم الشرعية لدمشق وحلب وحماة وحمص. يبلغ عددها حوالي ٣٥٢٠ سجلاً ولا يقلُّ عن ٣٠٠ وثيقة نادرة ليست موجودة في أيِّ مكان من العالم، كما يضمُّ سجلاً واحداً لكلٍّ من غزة واللاذقية، ويحتوي على مجموعة من الأوامر السلطانية لدمشق وحلب باللغة التركية، وكتب تركية تمّ تعريب قسم كبير منها؛ والقسم الآخر لايزال باللغة التركية، كما يحتوي على سجلات المحاكم التجارية والسالنامة ما يعني الجريدة الرسمية في الدولة العثمانية، كي تُعطي صورة كاملة عن المجتمع السوري أثناء فترة الحكم العثماني بجميع قضاياه الاجتماعية والسياسة والدينية والعسكرية، ومجموعة من الحجج المتفرِّقة والفرمانات السلطانية والدركنار، أي التعليق على الأحكام الصادرة من الباب العالي والطابو وسجلات المحاكم النظامية «الاستئناف»، وتعود الوثائق إلى الفترة العثمانية الممتدة ما بين عامي ١٥٣٥-١٩١٨، وتقدّم معلومات اجتماعية اقتصادية سياسية وعمرانية غزيرة عن سورية في الفترة ذاتها، كما يتوفَّر فهرسة كاملة للسجلات في القسم مرقمنة على أجهزة الحاسب ويمكن الرجوع إليها. ويحتوي على مجموعة من الأوراق والرسائل والمذكرات لشخصيات سياسية واجتماعية ووطنية كان لها دور في الحركة الوطنية والعربية في صراعها مع الاستعمار، فضلاً عن أوراق خاصة بالجمعيات والأحزاب السياسية في سورية وبعض الدول العربية، الممتدَّة بين عامي 1910- 1950م. ومن بين أوراق الزعماء المتوفِّرة في المركز: أوراق الزعيم نزيه مؤيد العظم، وفخري البارودي، وفوزي القاوقجي وسعد الله الجابري وغيرهم…
قسم وثائق الدولة
الدكتور عبيد ذكر أنَّ المركز يحتوي على الوثائق الصادرة عن الحكومة السورية بمختلف مؤسساتها وموضوعاتها، خلال الفترة بين 1920-1966م، كوثائق الوزارات السورية ، منها: الإعلام والداخلية والزراعة، إضافة إلى المراسيم الجمهورية والرئاسية والقرارات الوزارية ووثائق الأحزاب السياسية. كما يضمُّ وثائق من فترة الانتداب الفرنسي على سورية، فضلاً عن الأعداد الكاملة للجريدة الرسمية منذ بداية صدورها في عام 1919 وحتى اليوم، وسجلات المحاكم المختلطة باللغتين العربية والفرنسية.
المكتبة التاريخية
كما يضمّ المركز مكتبة صغيرة تأسَّست عام ١٩٥٩، وتحتوي على ٣٠٠٠ كتاب، تُدوِّن تاريخ سورية الحديث والمعاصر، وتضمُّ مجموعة من الكتب الاختصاصيَّة النادرة عن تاريخ سورية والوطن العربي السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأدبي والفني، يُضاف إليها عدد من الرسائل الجامعية كُتبت بالاعتماد على وثائق المركز.
والكتب المحفوظة ليست باللغة العربية فقط وإنَّما بلغات عدَّة. ويتمَّ تزويد المكتبة بالكتب عن طريق الشراء أو الإهداء، وتحتوي ما يقارب ٦٠٠٠صورة لشخصيات سورية وعربية، ومناسبات وطنية وقومية، وصور لرجال الثورة السورية والعربية، وملوك ورؤساء الدول العربية، وسجلات القسم العثماني ومجموعات للمدن والمواقع الأثرية والعامة في سورية. وتُحفظ كلُّ صورة بمغلَّف خاص، وتحمل رقماً خاصاً، مُسجَّلاً بالحاسوب للاستعلام عنها، وتظهر المعلومات الخاصة بالصورة بمحرَّد إدخال رقمها. وكلّ صورة محفوظة بأكثر من طريقة بالميكروفيلم، والحاسوب، ونسخة ورقية للحفاظ عليها من حدوث أيِّ طارئٍ.
ثم بيَّن الدكتور عبيد أنّه لا يتمّ إخراج أيَّة صورة من المركز وخاصة الأصلية للباحثين؛ بل يُزوّدوا بنسخة مُصوّرة عنها. ويحتوي المركز على مجموعة من الصحف العائدة إلى فترات مختلفة، تمتد من الفترة العثمانية وحتى اليوم، وباللغات العربية والتركية، والصحف العربية، إضافة إلى بعض الصحف الصادرة عن دول المهجر في أميركا اللاتينية، وتقارير المجلات العربية والأجنبية، والنشرات الصادرة عن السفارات، ووكالات الأنباء العربية والعالمية العاملة في سورية، حيث تجمع في مجلدات خاصة، وتؤرشف حسب تواريخ إصدارها، لافتاً بأنَّ المركز يحتوي على مستودع للوثائق متراصفة مكدَّسة فوق بعضها البعض لكلٍّ منها رقم وتاريخ تحتاج إلى عناية كبيرة من الرطوبة.
قسم التصوير والميكروفيلم
واعتبر مدير المركز قسم التصوير الخلية الأولى حيث يحتوي على ميكروفيلم مصوّر عليه كافة سجلات المحاكم الشرعية، ووضعت الأفلام في خزائن خاصة، بهدف إيجاد نسخة الكترونية عن جميع الوثائق الموجودة فيه. يتمُّ تصويرها أولاً، ثم تُنسخ على المُخدِّم الرئيس برقم وتاريخ، ويتسنَّى للباحث الاطلاع عليها من خلال القاعة الخاصة بالباحثين، ومزوّدة بأجهزة حاسوب، وما عليهم إلا إدخال الرقم الخاص بالوثيقة حتى تظهر المعلومات على شاشة الحاسوب، مُنوِّهاً أنَّها تحفظ على ميكروفيلم وكل وثيقة على ثلاث نسخ: واحدة لاستخدام الباحثين، وأخرى للحفظ الدائم، وثالثة احتياطية ويتمُّ تغييرها وتحديثها من وقت لآخر.
المخطوط
الدكتور غسان أكَّد بأنَّ قسم الترميم تأسَّس عام 2005، كما تمَّ تزويد مخبر المركز بأجهزة جديدة صُنع بعضها محلياً. ويقوم القسم بمراقبة حالة مستودعات الوثائق، وظروف الحفظ من الرطوبة والحرارة والغبار، والقيام بأعمال الترميم بالطرق العلمية بما يضمن إطالة عمر الوثيقة، إضافة إلى توثيق وأرشفة وتصوير أعمال الترميم.
منتقلاً إلى المرحلة الثالثة: وتكون بفكِّ المخطوط وتنظيفه بشكل جاف لإزالة الأتربة، ثم غسيل أوراقه بالماء المُقطَّر والكحول، وتعديل الأسيد إن وجد باستخدام ماءات الكالسيوم ومن ثم تجفيفه. وتستغرق عملية التجفيف حوالي أسبوعين أو أكثر بقليل، خاصة في فصل الشتاء حيث نسبة الرطوبة عالية.
أمّا المرحلة الرابعة: تكون بتدعيم المخطوط بالورق الياباني الخاص بالترميم مع صمغ القمح، المُصنَّع داخل المركز يدويَّاً. وإذا كان لون المخطوط غير الأبيض يتمُّ صباغة الورق الياباني للحصول على لون المخطوط الأصلي.
يعاد المخطوط في المرحلة الخامسة إلى ملازم، يتبعها تقليب الورق الزائد، وخياطته. ويتمُّ تجليد المخطوط باستخدام الكرتون الخالي من الأسيد.
يوضع في المرحلة الأخيرة ضمن صندوق خاص، ويأخذ رقماً، ويكون مُغلَّفاً يحتوي ما تبقّى من المخطوط بعد عملية الترميم «ورق، لاصق، خيطان قديمة»، ثم يُعاد إلى صندوقه داخل المستودع. ويكشف عن المخطوطات في صناديقها للتأكُّد من سلامتها كلّ عام.
القسم الصحفي
الدكتورعبيد أردف خلال حديثه بأنَّ القسم يضمُّ مجموعة من الصحف والجرائد العائدة إلى فترات مختلفة تمتد من الفترة العثمانيّة حتى يومنا الحالي، وباللغات العثمانية والعربية، والصحف العربية من مختلف الدول، إضافة إلى الصحف الصادرة في المهجر بأميركا اللاتينيّة. والمجموعة الصحفية في مركز الوثائق غير مكتملة بل عبارة عن أعداد متفرقة، وحتى الصحف السورية اليومية فمازالت مُستمرَّة حتى يومنا الحالي كتشرين والبعث والثورة، إضافة إلى التقارير الصحفية بدأ ظهورها في فترة خمسينات القرن الماضي واستمرت في الفترات اللاحقة الصادرة عن وزارة الثقافة والإرشاد القومي، ومن ثم وزارة الإعلام ومجموعات من التقارير الأجنبية وتشمل مختلف دول العالم، خاصة أوروبا وأميركا. أمّا تقارير الصحف العربية فتشمل اللبنانية والمصرية والأردنية والعراقية والكويتية ونشرات المكاتب الصحفية في بعض السفارات ووكالات الأنباء العربية والعالمية العاملة في سورية.
        

العدد 1147 –  13-6-2023

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم