الملحق الثقافي- أحمد بوبس:
حسني سبح الطبيب بل أحد أساتذة الطب من الجيل الثاني في المعهد الطبي العربي بدمشق، وفي الوقت نفسه من رواد تعريب التعليم الطبي في المعهد بعد الجيل الأول.
وحسني سبح من خريجي الدفعة الأولى في المعهد الطبي العربي بدمشق. فبعد إنهائه الدراسة الابتدائية والثانوية في مدارس دمشق، ونيله الشهادة الثانوية وعمره ثلاثة عشر عاماً، التحق بالمعهد الطبي التركي بدمشق عام 1913، إذ لم يكن المعهد يحدد عمراً لقبول الطلاب، لكن في عام 1914 انتقل المعهد إلى بيروت وألحق بالجامعة اليسوعية، وبسبب قيام الحرب العالمية الأولى أغلق المعهد أبوابه سنة 1915، وتوقفت الدراسة فيه، فعاد حسني إلى دمشق مع غيره من الطلاب السوريين.
في عام 1919 تم افتتاح المعهد الطبي العربي بدمشق في العهد الفيصلي، فاستدعي طلاب المعهد الطبي التركي الذي أغلق أبوابه في بيروت، ودرسوا في المعهد لمدة سنة، جرى فيها ترميم معلوماتهم، وكان حسني سبح منهم. وفي سنة 1920 – وكان قد تخرج من المعهد – كان أحد ثلاثة أطباء ذهبوا إلى ميسلون لمعالجة المصابين في معركتها، وتوفي يوسف العظمة بين يديه وهو يحاول إنقاذ حياته بعد إصابات بالغة تعرض لها.
في عام 1924 سافر إلى فرنسا لمتابعة تحصيله العلمي، وحصل على دكتوراه في الطب عام 1925. وبعد عودته إلى دمشق تم تعيينه رئيساً لمخبرالمعهد الطبي العربي، وعُين أستاذا للأمراض الباطنة في المعهد.
امتلك حسني سبح لغة عربية متينة، فخلال دراسته في المعهد الطبي التركية تتلمذ – بما يشبه اليوم الدروس الخصوصية – على يد المعلم الأمير عارف الشهابي، وتلقى منه اللغة العربية وعلومها. كما أتقن اللغة الفرنسية وأجاد التركية. وهذا ساعده على تأليف العديد من كتب مناهج تدريس الطب وتعريب بعضها. وفي عمله هذا عمل على تطويع اللغة العربية واشتقاق المصطلحات الطبية باللغة العربية وفق قواعد الاشتقاقات اللغوية، واستخدام المصطلح الأجنبي بعد تحويره في حال عام وجود مقابل عربي له. وكان له في اشتقاق المصطلح الطبي منهج ظل سائراً وفقه لا يحيد عنه، وفي ذلك يقول في مقدمة أحد كتبه (; توخي الألفاظ الدارجة الصحيحة في الدرجة الأولى، ثم تعريب الكلمات الأجنبية إن لم يجد ما يفي بالمراد بها من كلمات العربية تمام الوفاء)، كما اعتمد على المصطلحات والألفاظ التي تلائم روح العصر.
ترقّى حسني سبح في عمله التعليمي حتى أصبح عام 1932 بمرتبة أستاذ للأمراض الباطنة، وانتحب عام 1938 عميداً للمعهد الطبي العربي، وفي عام 1943 تولى رئاسة جامعة دمشق. واستمر في عمله التربوي العلمي سواء في الجانب التدريسي أو الإداري نحو أربعين عاماً، إضافة إلى عمله في عيادته يعالج المرضى ويخفف آلامهم.
في الجانب الطبي العلمي تجاوزت مؤلفات الدكتور حسني سبح العشرين كتاباً، أولها :(موجز مبحث الأعراض والتشخيص) عام 1945، وأعيدت طباعته مرتين، وتناولت مؤلفاته مختلف الجوانب الطبية العصبية والبولية وجهاز الهضم وجهاز الدوران وأمراض البول والدم والجملة العصبية والغدد الصم وغيرها من المشاكل الصحية لجسم الإنسان. كما كتب الكثير من الدراسات الطبية في (مجلة المعهد الطبي العربي) و(مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق) و(مجلة مجمع اللغة العربية في القاهرة).
لكن أهم انجازاته الطبية العلمية مشاركته في وضع (المعجم الطبي الموحّد) إلى جانب مجموعة من الأطباء العرب، هو معجم طبي متعدِّد اللغات ضمن مشروع لإنشاء منظومة مصطلحات وتوحيدها من أجل تعريب العلوم الطبية والصحية العربية، وأصدر اتحاد الأطباء العرب الطبعة الأولى منه في 1973، في بغداد، ثم أصدرته منظمة الصحة العالمية في طبعة أخرى، ثم أصدرته في نسخة ألكترونية (pdf)، لتسهيل حصول الأطباء العربي عليه.
وبسبب انجازاته الكبيرة في مجال تعريب التعليم الطبي، تم انتخابه عضواً في (المجمع العلمي العربي بدمشق – مجمع اللغة العربية) في كانون الثاني 1946، وفي الثلاثين من أيار 1968 انتخب رئيساً للمجمع خلفاً للأمير مصطفى الشهابي. وكانت له مشاركة فعّالة في أعمال المجمع وخاصة في باب التعريب والمصطلح. ونشر في مجلة المجمع 117 مقالاً في المدة (1946 – 1986)، ضمَّنها بحوثه وتقاريره، ونظراته واستدراكاته وتعقيباته على (معجم المصطلحات الطبية الكثير اللغات)، وكلماته في حفلات الاستقبال والتأبين، إضافة إلى تعريفاته بالكتب ومشاهداته في رحلاته.
وإضافة لمجمع اللغة العربية بدمشق، تم اختيار الدكتور حسني سبح عضواً عاملاً في مجمع اللغة العربية في القاهرة، وعضواً مؤازراً في المجمع العلمي العراقي، وعضو شرف في مجمع اللغة العربية الأردني، وعضواً في أكاديمية العلوم في نيويورك. وكان عضواً في (لجنة وضع نظام اتحاد المجامع العلمية واللغوية العربية، إلى جانب الدكتور الأديب طه حسين وزكي المهندس من مصر والدكتور عبد الرزاق محي الدين والدكتور أحمد عبد الستار الجواري من العراق والدكتور عدنان الخطيب من سورية.
ومن مساهماته الطبية الأخرى قيامه بتأسيس (جمعية المواساة) التي أسست مشفى المواساة بدمشق وأهدته للحكومة، وانتخب رئيساً للجمعية من عام 1943 وحتى عام 1975.
احتل الدكتور حسني سبح مكانة علمية مرموقة، ليس على الصعيد المحلي، ولكن على الصعيدين العربي والعالمي، وتجلت هذه المكانة من خلال أشكال التكريم المختلفة التي نالها، فقد حصل على العديد من الأوسمة الرفيعة وهي :
– نوط الشرف السوري 1940.
– وسام المعارف الإيراني من الدرجة الأولى 1945.
– وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة 1955.
– وسام الكوكب الأردني من الدرجة الثانية 1956
– وسام الجمهورية من مصر من المرتبة الثانية 1958.
بعد مسيرة حياتية غنية بالعطاء الطبي والعلمي، رحل الدكتور حسني سبح في 31 كانون الأول 1986.
العدد 1156 – 22-8-2023