الملحق الثقافي- دلال إبراهيم:
الأديان ذكرتها، وقبلها روتها الأساطير وكانت الثيمة الأساسية لها، بينما لم تقنع الكثيرين الفرضيات العلمية لتفسيرها. تحل بأشكال متعددة مصائب وأوبئة وكوارث ووفيات وأمراض وحالات هستيرية. العامة يفسروها بالعين والحسد والأرواح الشريرة أو الطاقة السلبية. بكل مسمياتها هي (اللعنة) التي حدثتنا عنها أساطير الحضارات القديمة وكانت من خلال منظورهم السبب في كل الشرور التي تحدث للبشر والبلاد. كانت تقترن بغضب الآلهة فتحل لعناتها على من تسبب بغضبها.
في ملحمة جلجامش، من آداب بلاد الرافدين والتي تعتبر أقدم الآداب العالمية المعروفة في التاريخ من حيث التأليف والتدوين يقول انكيدو مخاطباً كلكامش:
يا صاحبي لقد حلت بي اللعنة
فلن أموت ميتة رجل سقط في ميدان الوغى
وفي ملحمة ادابا وهي من الأساطير البابلية نقرأ هذه السطور
يا ريح الجنوب (صرخ لها) لتقع اللعنة
على جميع مخازيك!
لأكسرن جناحك! ما إن تلفظ بهذه الكلمات
حتى انكسر جناح ريح الجنوب
إن لعنة ادابا أدت إلى توقف هبوب الريح الجنوبية
وفيما يخص لعنات الفراعنة والمومياوات هناك اعتقاد ما زال يحظى بشعبية واسعة وله ارتباط بانتهاك قبور الجثث المحنطة أو المومياوات أنفسهم، انتشرت هذه الفكرة على نطاق واسع بحيث أصبح لها دعامة لثقافة شعبية نجدها خصوصاً في أفلام الرعب (وإن كانت اللعنة مخبأة بالأصل، مع حصول سلسلة من حالات الوفاة الغامضة وغيرها).
ويفترض أن «لعنة الفراعنة» أصبحت هاجس علماء الآثار الذين حفروا قبر الملك الفرعوني (توت عنخ آمون) حيث كان على قبره لعنة واضحة كتبها كاهن قديم مهدداً أي شخص ينتهك فناءه. وقد حاصرت شكوك مريبة ومماثلة أعمال حفريات وفحص مومياء جبال الألب (الطبيعية، وليست المحنطة) والذي دعي (أوتزي – رجل الثلج).
وعلى الرغم من شيوع هذه اللعنات نتيجة للإثارة التي ساهم فيها الصحفيون البريطانيون في القرن 19 فإن قدماء المصريين في الواقع وضعوا علامات معروفة في النقوش بهدف حماية معابدهم وأضرحتهم وحتى ممتلكاتهم.
وفي الإسطورة اليونانية (الإلياذة والأوديسة) عاقبت الآلهة البطل أوديسيوس، ملك ايثاكا وصاحب فكرة الحصان في حرب طروادة لأنه لعنها بسبب فقدان صديقه فضب منه إله البحر بوسيدون وحكم عليه بأن يتوه في البحر عشر سنوات لاقى فيها الأهوال الكثيرة.
وفي أوديب لسوفيكلس أيضاً حلت لعنة الآلهة أوراكل على مدينة طيبة، وأصبحت المدينة في مشكلة شاقّة، اجتاح الطاعون البلاد وسادت الفوضى والدمار، أصاب الوباء الحرث والنسل، وامتلأت الأرض بالجثث. لذنب اقترفه أوديب، الذي قتل والده وتزوج من الملكة جوكاستا والدته.
وذكر القرآن الكريم عدداً من اللعنات إلا أن جميعها كانت صادرة عن الله، لعنات موجهة نحو الشياطين والظالمين والكاذبين. ويعتبر الإسلام أن اللعنة هي الطرد من الرحمة، ولكن غضب الله أقوى وأشد من اللعنة. وفي اليهودية هناك عدد من الأشخاص والأشياء التي شملتهم اللعنة. وتأخذ اللعنة أسماء وأشكالاً محددة تبعاً للثقافات المختلفة. عند العامة في ثقافة الشرق الأوسط والبحر المتوسط، نجد أنها اعتقاد الإصابة بالعين، وقد تكون نتيجة للحسد، ونادراً ما يقال إنها نتيجة للعنة متعمدة. وفي الثقافة الهندوسية يعتقد أن (الفكير) وهم رجال مبروكين، يمتلكون القدرة على المباركة واللعنة على حد سواء. وفي ثقافة (الهودو) هي نوع من السحر يمارس بين الأميركيين من أصول أفريقية، قدمت لنا فكرة (النحس) و(الظروف غير المؤاتية) فضلاً عن شكل من أشكال السحر الذي يتقفى آثار الأقدام حيث يتم وضع (أشياء ملعونة) في مسار الضحايا الذين تحل عليهم اللعنات حينما يمشون فيها. ولدى الشعوب الأوروبية تتخذ شكل التمائم السحرية. واستخدم الأبوريغينال من سكان أستراليا الأصليين طريقة يشيرون فيها إلى الشخص المستهدف باللعنة من خلال قطعة تكون على الأغلب عظمة ومع تركيز قوي وطقوس مكرسة يعتقدون أن ذلك يؤدي إلى موت الشخص المستهدف بعد فترة. ورغم أن تلك الممارسة منتشرة فلا تعتبر جريمة بحسب القانون الأسترالي.
ويقال إن هناك مناطق أو معالم معينة تكون (ملعونة) مثل مدينة دودلي تاون في ولاية كونيكيي الأميركية التي يقولون إن اللعنة قد حلت بها وتحولت إلى أكثر الأماكن المخيفة في الولاية. وتحفل بالظواهر الخارقة. واقتنع الجميع أن ثمة أسباباً غامضة وشريرة وقوى خارقة تسببت بالأحدث الكارثية وحالات الجنون التي تفشت إلى جانب حالات الموت الغريبة. أو منطقة (جلاميد) في أستراليا، حيث للسكان الأصليين أبوريغنيال أسطورة عن هذا المكان تمنحه صفة (لعنة تاريخية)
في السياسة – اشتهرت لعنة (تيكومسيه) على أنها سببت وفيات لرؤساء الولايات المتحدة الأميركية المنتخبين في السنوات القابلة للقسمة على 20، بدءاً من عام 1840. ويبدو أن هذه اللعنة المزعومة كانت نائمة بخصوص الرئيس (رونالد ريغان) الذي انتخب في عام 1980 حيث نجا من محاولة اغتيال وكذلك (جورج دبليو بوش) الذي انتخب في عام 2000 ونجا من الاغتيال على الرغم من وجود هجوم إرهابي كبير خلال فترة رئاسته التي امتدت لـ 8 سنوات أمضاها في رئاسة الجمهورية.
وتعتبر (بلسا دينورا) صلاة كابالاية مثيرة للجدل يطلب فيها من الرب منع أي مغفرة لخطايا الشخص المستهدف أو تتسبب بوفاته أو تجلب الحظ السيء عليه لمدى بعيد أو تبطل ممارسته أو أداء وظيفته في المجتمع.
قادني إلى تناول موضوع اللعنة، ما قرأته عن فيلم (طارد الأرواح الشريرة الذي أخرجه وليم فريدكين عام 1973، والذي رحل عن عالمنا في السابع من آب المنصرم. الفيلم الذي يعتبر لغاية الآن الأكثر رعباً على الإطلاق. ولا يزال يحمل عنوان الفيلم (اللعنة)». فقد توفي تسعة أشخاص كانوا جزءًا من طاقم الفيلم أو ممن حولهم أثناء التصوير. وكان الاختفاء الأكثر لفتًا للانتباه هو اختفاء الممثل جاك ماك جوران، مترجم بيرك دينينجز، الذي توفي بعد وقت قصير من اختتام الفيلم بسبب أنفلونزا شديدة الخطورة. ومما زاد الطين بلة بالنسبة للشائعات الغامضة المحيطة بالفيلم، أن حريقًا هائلاً حدث في نهاية التصوير أدى إلى تأخير إصداره لمدة شهرين تقريبًا.
وعلى الرغم من كل هذه العناصر، فإن ويليام بيتر بلاتي، مؤلف الكتاب الذي تم اقتباس الفيلم منه، لم يصدق أبدًا شائعات اللعنات هذه. بالنسبة له، تم تضخيم العديد من القصص أو حتى اختراعها للتواصل حول الفيلم الروائي. أما الوفيات فستكون مجموعة من الظروف. وقال في مقابلة: «في غضون عام، من المحتم أن يصاب الناس أو يموتوا».
وعلى ما يبدو أنه من الصعب تحديد المسببات التي انتجت هذه الحوادث لذلك يميل الناس إلى الاعتقاد بوجود أمر شرير غامض تسبب بكل تلك الحوادث بدلاً من أن يلقوا اللوم على أفعال كل فرد في كل حادثة.
العدد 1158 – 5-9-2023