الملحق الثقافي -رنا بدري سلوم:
الرّيشة التي نحن، لا وزن لها، شريدة طريدة بلا مأوى، الرياح الهوجاء تعبث بها، و «إذا نحن شئْنا أنْ نستردَّ لأنفسنا شيئاً من الثّبات، إمّا أن نزيد في وزن الرّيشة، وإمّا أن نُخفّف حدّة الرّيح أو أنْ نجترح العجيبتين معاً».
ولعل الأديب ميخائيل نعيمة تتّبع الريشة التي نحن، فوجد أن الثبات والانتماء والتجذّر هو ما يزيد من أوزاننا مؤكداً لنا أن الذينَ جعلُوا منّا ريشةً لن يستطيعُوا أن يجعلُوا من الرّيشةِ طَوداً والّذين أطلقُوا عليْنا الرّياحَ الهُوجَ لن يكونَ في وسعِهم أن يجعلُوا من تلكَ الرّياحِ نُسيماتٍ لطيفات .. أولئكَ همُ القابضون بأيدٍ من حديدٍ على أزمَّة حياتنا الجسديّة والعقليّة والقلبيّة.. فهل سيبقى السلم كما رآه نعيمة شريداً طريداً في الأرضِ يبحث عن ملجأً فلا يجدُه؟، وأنّ الحربَ أضحَت سيّدةَ الأرضِ بغيرِ منازعٍ منذُ الخليقة الأولى ومنذ أن أودَى قابيلُ بحياةِ أخيهِ هابيلَ!.ليست رؤية نعيمة وحده بل استقراء الحكماء والعلماء بموروثهم الثقافي أن العالم بأسره ريشة في مهب الريح، ولعل الحرب تغفُو كذئبٍ، ثمَّ تستفيقُ فتزداد شراهة للدّماء ومقدرتها على التّخريبِ فتعيث في الأرض فساداً، ويحسبُ النّاس غفوتَها سلماً فيغفلون عنها، وما هي بالسّلم، وهي إن خمد أوارُها في مكانٍ، اشتدَّ لهيبها في مكانٍ آخر من بقاع الأرض.. هكذا برعت الحربُ في توزيع قواها، وتنمية مواردها، وتنظيم حركاتها على مدى العصور حتّى بلغَت ذروة الكمال الّذي يجعلُ منّا ومن دنيانا ريشةً.. فاجنحِ أيتها الرياح الهوجاء للسلم والسكون فقد أضحَى العالمُ اليومَ ريشةً في مهبِّكِ، فرفقاً بنا وبه.
العدد 1158 -5-9-2023