السياحة السورية تستعد للإقلاع.. تأهيل جيل جديد لمواكبة التكنولوجيا

الثورة – تحقيق سعاد زاهر:

بعد سنوات طويلة من التراجع بسبب الأزمة، بدأ القطاع السياحي في سوريا يتلمّس طريقه نحو التعافي، ومع دخول منشآت سياحية جديدة إلى الخدمة خلال الفترة المقبلة، يبرز عنصر التدريب والتأهيل البشري بوصفه المدخل الحقيقي لإعادة بناء الكفاءات، وتهيئة جيل جديد من العاملين القادرين على مواكبة التكنولوجيا ومتطلبات سوق العمل.

في هذا التحقيق الصحفي نرصد الواقع وأسبابه ونتائجه، وما يجب أن يتم فعله للوصول به نحو الأفضل.

خطوة عملية

من المشكلات التي يعاني منها قطاع السياحة غياب الكفاءات المؤهلة على استخدام برامج حجز التذاكر العالمية التي أصبحت قلب صناعة السفر، فبينما يحجز ملايين المسافرين حول العالم تذاكرهم عبر تطبيقات الهاتف الذكي، مازالت بعض المكاتب المحلية أسيرة الطرق التقليدية. تحاول هيئة التدريب السياحي والفندقي أن تغيّر المعادلة، عبر دورة متخصصة أون لاين تتيح لـ 32 متدرباً من مختلف المحافظات أن يدخلوا سوق العمل بمهارات جديدة، على أمل أن يكونوا هم طاقم الإقلاع القادم للسياحة السورية، من خلال دورة تدريبية متخصصة بحجز تذاكر الطيران عبر الإنترنت، لتكون خطوة عملية في إعادة تأهيل الكوادر، وفتح أبواب جديدة للعمل أمام الشباب السوريين.

32 متدرِّباً

يقول مدير هيئة التدريب السياحي والفندقي في وزارة السياحة المهندس مسلم الناعم: أي مكتب سياحة يجب أن يكون لديه موظف أو اثنان على الأقل مختصان بقطع التذاكر، ومع دخول عشر منشآت سياحية جديدة إلى الخدمة، تزداد الحاجة إلى كوادر جاهزة ومدربة.

ويوضح أن الدورة تقام أون لاين لتخفيف التكاليف على المتدربين القادمين من مختلف المحافظات، وتضم الدورة الحالية 32 متدرباً من محافظات عدة، لقاء 300 ألف ليرة سورية لـ52 ساعة تدريبية، يحصلون في نهايتها على شهادة تخوّلهم دخول سوق العمل مباشرة.

ويشير م. الناعم إلى أن التوجه تغيّر مقارنة بالماضي، سابقاً كان الهدف من الشهادات هو السفر والبحث عن فرصة عمل خارجية، أما اليوم فسوق العمل السياحي في سوريا بدأ يتعافى، وهو بحاجة إلى اختصاصات مثل حجز التذاكر.

ويشدد على أن القطاع السياحي من أكثر القطاعات تأثراً بالأزمات وآخر من يتعافى، لذا تسعى الهيئة لأن تكون فاعلة في تأمين احتياجات سوق العمل مباشرة عبر الدورات التدريبية.

انتهت أيام الحجز اليدوي

يوضح م. الناعم أن الحجز كان يتم سابقاً بشكل يدوي، لكن اليوم ومع رفع العقوبات أصبح من الضروري إدخال أحدث البرامج العالمية مثل الأماديوس وإكسل إيرو.

يقول: نأمل أن نصل قريباً إلى مرحلة يمكن للمتدرب فيها أن يحجز من منزله مباشرة، هذه الخطوة ستريح الجميع وتواكب ما يجري في العالم.

من جانبه، يوضح مدير التدريب والتأهيل المستمر في وزارة السياحة المهندس أيهم مهنا، أن أهمية التدريب لا يتعلق فقط بتطوير مهارات المتدرب، بل أيضاً بارتباط ذلك بالقوانين، فوفق القانون رقم 2 لعام 2006، فإن وجود موظفين مختصين بحجز تذاكر الطيران شرط أساسي لترخيص مكاتب السياحة والسفر.

ويشير م. مهنا إلى أن التدريب يتضمن جانباً نظرياً حول منظومة IATA والجغرافيا الجوية، إضافة إلى جلسات عملية مكثفة باستخدام البرامج أمام المتدربين.

الإنترنت يفتح الأبواب

بحسب م. مهنا، فإن إقامة الدورات عبر الإنترنت وفّرت على المتدربين عناء التنقل والإقامة في المحافظات، وسمحت بمشاركة متدربين من مختلف المناطق السورية، ويؤكد أن التحديات التقنية التي كانت قائمة بسبب العقوبات على مواقع الحجز العالمية بدأت تتلاشى بعد رفعها، بفضل التعاون مع القطاع الخاص الذي يشارك بفعالية في العملية التدريبية.

ويرى أن خصوصية هذه الدورة تنبع من كونها اختصاصاً فنياً إلزامياً في أي مكتب سياحة وسفر، فهي ليست ترفاً أو خياراً، بل ضرورة قانونية ومهنية، لذلك تُدرج ضمن أهم برامج التدريب التي تنظمها الهيئة.

المدرب رامز عبد الله، صاحب خبرة في حجز التذاكر منذ 2009، يوضح أن الدورة الحالية تستمر شهراً ونصف الشهر، وتشمل ثلاثة محاور:التعريف بالمصطلحات والمنظمات مثل IATA وICAO، برنامج إكسل إيرو الخاص بالسورية للطيران، وفلاي شام، برنامج أماديوس العالمي، وهو الأكثر شمولية.

ويقول: التحدي الأساسي في هذه الدورة هو تقديم الجانب العملي عبر الإنترنت، لكننا نتغلب على ذلك بمتابعة دقيقة مع المتدربين، وتفاعلهم كان مبشراً للغاية.

شراكة لإنعاش السياحة

أما خبير الاستثمار السياحي وصاحب مركز تدريب في درعا المهندس عطيفة، فيرى أن هذه الدورات تمثّل استثماراً في العنصر البشري، وهو الأساس في أي عملية نهوض سياحي، يقول: العنصر البشري أهم من أي بنية تحتية، نحن بحاجة إلى كوادر مدرّبة بمهارات فريدة وتقنيات حديثة كي نعيد وضع السياحة السورية على السكة الصحيحة.

ويؤكد أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص ضرورية لإنعاش السياحة، مشيراً إلى أنه يوظف المتميزين من خريجي هذه الدورات في مركزه الخاص.

في زمن تتحكم فيه التكنولوجيا بمسار الطائرات وحجوزات المسافرين، لم يعد مقبولاً أن تبقى مكاتب السفر أسيرة الدفاتر والأوراق، حالياً تدخل التقنيات الحديثة بقوة إلى قلب المهنة، لتعيد صياغة طريقة الحجز وتفتح أبواب المستقبل، فمن أبرز التغيرات التي تواكبها الدورة إدخال التقنيات الحديثة إلى العمل السياحي للتحول من الحجز اليدوي إلى الأنظمة العالمية، إتاحة الحجز عن بعد وإرسال التذكرة إلكترونياً، التحضير لإمكانية الدفع الإلكتروني مستقبلاً.

هذه الخطوات، كما يصفها المدربون، ليست مجرد تحديث تقني، بل قفزة نوعية تضع سوريا مجدداً على خارطة السياحة العالمية.. وهكذا، لا تبدو التقنيات مجرد أدوات إضافية، بل جواز سفر جديد لمكاتب السفر السورية، يمكّنها من العبور إلى أسواق أوسع، ويمنح السياحة فرصة طال انتظارها للإقلاع من جديد.

غياب الدفع الإلكتروني

مع التقدم التقني، يظل الطريق أمام مكاتب السفر السورية مليئاً بالتحديات، ضعف الخبرة الرقمية، وغياب الدفع الإلكتروني، والتنافس مع التطبيقات العالمية تفرض ضغوطاً على العملية التدريبية، لذلك رغم التقدم، تواجه الدورات تحديات حقيقية كضعف إلمام بعض المتدربين بالتقنيات الرقمية، غياب الدفع الإلكتروني، ما يحد من اكتمال تجربة الحجز عبر الإنترنت، المنافسة مع التطبيقات العالمية التي تسمح للمسافرين بحجز التذاكر بأنفسهم.

ولا يقتصر الحل على التكنولوجيا وحدها، بل يرتبط أيضاً بتوسيع الشراكات مع القطاع الخاص، وتطوير الدورات لتأهيل كوادر قادرة على مواجهة المنافسة العالمية وإحداث فرق حقيقي في السوق المحلي.

نحو مكاتب السفر

لمواجهة تحديات سوق العمل السياحي، تبدو الشراكات مع القطاع الخاص خياراً استراتيجياً لا غنى عنه، التعاون وتبادل الخبرات يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً في جودة التدريب وتأهيل الكوادر.

الحلول التي طرحها المشاركون تتعلق بتعزيز التعاون مع القطاع الخاص لتوفير تجهيزات حديثة، إدخال الدفع الإلكتروني ضمن التدريب قريباً، متابعة خريجي الدورات لدعم دخولهم الفعلي إلى سوق العمل، توسيع نطاق الدورات لتشمل اختصاصات مثل الحج والعمرة وإدارة المنشآت السياحية.

وبتوسيع خارطة الدورات وإدخال تقنيات حديثة، يصبح المتدربون أكثر جاهزية لسوق العمل، مما يضمن استدامة القطاع السياحي وقدرته على المنافسة محلياً وعالمياً، وبين الطموح والواقع، يمثل تدريب وتأهيل الكوادر البشرية نموذجاً عملياً على كيفية الاستثمار في العنصر البشري لمواكبة التحولات العالمية، فهو يفتح أمام المتدربين فرص عمل جديدة داخل سوريا، ويمنح القطاع السياحي دفعة باتجاه المستقبل.

آخر الأخبار
مكافحة آفة تهدد محصول البندورة في القنيطرة العدل اللبنانية: آليات جديدة لتعزيزالتنسيق بين لبنان وسوريا "بصرى في عيوننا" تباشر بتأهيل محيط القلعة والمدرج الروماني حلب تواصل خطواتها على طريق التعافي والتنمية صالات "السورية للتجارة" بدرعا مطروحة للاستثمار "إكثار البذار": إجراءات لضمان استدامة محصول القمح "تربية حلب" تعد بتلبية مطالب معلمي الريف الشمالي ازدياد ظاهرة التسول في طرطوس.. ومخاطر جسيمة ملف المعتقلين وانعكاسه على العلاقات السورية اللبنانية سوريا تنهي سياسة المحاور.. والعرب يحتضنون دمشق كلاعب فاعل من التشريعات إلى الضمانات.. خارطة طريق لجذب الاستثمار ورشة عمل بإدلب تبحث إنشاء مدن صناعية ودعم الحركة الاقتصادية قيادات دينية وعشائرية تنتقد خطابات "الهجري" للانفصال منسق الأمم المتحدة: سوريا أمام تحديات إنسانية غير مسبوقة بيروت ودمشق تطلقان مساراً مؤسساتياً لمعالجة ملف الموقوفين السوريين ارتفاع أسعار البيض و " الدواجن " تطمئن اقتصاد سوريا من الجمود إلى الإنتاجي التنافسي نحو اقتصاد إنتاجي رقمي وأخضر كبار السن والعزلة الصامتة.. هل تخلى المجتمع عن حكمتهم؟ جمعية "المجد" في طرطوس.. خدمات تأهيلية متكاملة لذوي الاحتياجات الخاصة