الثورة – سناء عبد الرحمن:
احتضن منتجع “جونادا” في طرطوس اليوم ورشة عمل موسعة بعنوان “الرؤية الاستثمارية التنموية لمحافظة طرطوس”، بحضور محافظ طرطوس أحمد الشامي، وبمشاركة مسؤولي المحافظة، وممثلين عن مجلس المدينة والجامعة، إضافة إلى فعاليات اقتصادية واجتماعية وأكاديمية وشبابية، غلب عليها الطابع العملي والبحثي.
الورشة التي امتدت لساعات من النقاش والعروض، لم تكن مجرد جلسة أفكار، بل أقرب إلى مختبر عملي لاستخلاص توجهات مستقبلية، من شأنها تحويل المقومات الطبيعية والبشرية التي تتميز بها محافظة طرطوس إلى مشاريع استثمارية وتنموية حقيقية.
من الرؤية إلى الواقع
قال الشامي: إن الورشة تمثل بداية مسار استراتيجي، وانطلاقاً من الواقع الذي نعيشه بعد التحرير، لدينا رغبة قوية في الاستثمار، لكن الرؤية لم تكن موحدة، وهذا ما نسعى لتغييره اليوم.. من هنا لا بد من تنظيم أملاك الدولة والممتلكات العامة، بما فيها الأملاك السياحية والمرافئ البحرية، ووضع خطة استثمارية واضحة تعكس مكانة طرطوس الحقيقية.
وأشار المحافظ إلى أن المناطق الجبلية لم تحظ بفرصها الاستثمارية في السابق، رغم ما تمتلكه من طبيعة خلابة ومقومات سياحية وزراعية، مؤكداً أن فتحها أمام الاستثمار سيعيد التوازن التنموي ويخلق فرص عمل لأبنائها.
من البحر إلى الجبال
توزعت أوراق العمل على عدة محاور، عكست تنوع الإمكانات الاستثمارية لطرطوس..
السياحة والواجهة البحرية: وجرى عرض متكامل من مديرية السياحة حول إمكانية تطوير كورنيش طرطوس واستثماره سياحياً، بما يوازي موقعه المميز على البحر المتوسط.
المدينة القديمة والتراث:
قدم فريق “الحرية” التطوعي خطة لإعادة تأهيل مدينة طرطوس القديمة والنسيج العمراني القديم، ليكون جاذباً للزوار ويستعيد دوره كمركز تاريخي وثقافي.
التنمية الريفية والزراعة: ناقشت أوراق العمل أهمية استثمار المنتجات الزراعية كزيت الزيتون والحمضيات، وربطها بصناعات تحويلية ترفع من قيمتها الاقتصادية.
الصناعة والحرف: طُرحت أفكار لإحياء الصناعات المرتبطة بالبحر كصناعة السفن، إضافة إلى الصناعات الصغيرة المرتبطة بالريف.
بالإضافة إلى المحور الأكاديمي لطلاب كلية الهندسة المعمارية ومشاريع تخرّج تضمنت حلولاً عملية لتخطيط مناطق سياحية وخدمية جديدة، ومقترحات لإعادة تأهيل البنى التحتية في بعض الأحياء.
شراكة للأفكار والمشاريع
مدير السياحة في طرطوس، المهندس بسام عباس، أشار إلى أن الورشة جاءت كثمرة تعاون بين مجلس المدينة والجامعة وفعاليات المجتمع المحلي، بهدف بلورة خطة شاملة تجعل طرطوس أول محافظة سورية تعتمد رؤية استثمارية وتنموية متكاملة.
أما جامعة طرطوس، فقد حضرت عبر مشاريع طلابها وأبحاث أساتذتها، التي عكست دور المؤسسة الأكاديمية في دعم مسيرة التنمية وتقديم حلول تطبيقية لمشكلات حقيقية.
رئيس مجلس مدينة طرطوس المهندس شادي حليمة، أوضح أن المجلس وضع رؤية عامة للاستثمار في المدينة، ترتكز على استقطاب رؤوس الأموال المحلية والخارجية، مشيراً إلى أن هذه الرؤية سترفع إلى الهيئة العامة للاستثمار السورية، لتكون جزءاً من الخارطة الاستثمارية الوطنية، ما يسهل اعتمادها وتنفيذها ضمن إطار موحد مع الدولة.
كما بين عميد كلية الهندسة المعمارية بجامعة طرطوس الدكتور شعيب إبراهيم أن مشاركة كلية الهندسة المعمارية في الورشة هي مشاركة أكاديمية بالدرجة الأولى، فكلية الهندسة المعمارية تعمل على دراسة الواقع العمراني في محافظة طرطوس من خلال مشاريع الطلاب وأبحاث التخرج، وتقدم حلولاً عملية قابلة للتنفيذ.
ولفت إلى أنه ما يميز هذه المشاركة هو أننا نضع خبراتنا العلمية ومخططاتنا المدروسة في خدمة الجهات المعنية، لتكون الأساس الذي يبنى عليه أي مشروع تطوير أو تخطيط مستقبلي، فنجاح أي مبادرة يتطلب مخططاً واضحاً ومدروساً، وأي انحراف عنه قد يؤدي إلى إرباك أو تشويش في عملية التطوير، مؤكداً أن العمل العلمي المنهجي هو الأساس في أي عملية بناء أو تطوير عمراني.
لم يكن الحضور الرسمي وحده ما يميز الورشة، إذ شاركت مبادرات شبابية مثل فريق “الحرية، الذي قدم مجموعة من الأفكار التطوعية لدعم التنمية، إضافة إلى مبادرات أهلية ركزت على إشراك أبناء المحافظة في صياغة الرؤية المستقبلية، باعتبارهم المستفيد الأول من أي مشروع استثماري.
توصيات قابلة للتنفيذ
خلصت الورشة إلى سلسلة من التوصيات العملية، من أبرزها:
إزالة العقبات والصعوبات أمام المستثمرين.
وتحسين البنية التحتية بما يتناسب مع طبيعة المشاريع الجديدة.
بالإضافة إلى تفعيل الصناعات الزراعية والحرفية وربطها بالأسواق الداخلية والخارجية، وتعزيز البيئة التشريعية وتبسيط الإجراءات.
وإشراك المجتمع المحلي كشريك فاعل في التنمية، واعتماد
مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص كرافعة أساسية للإعمار.
التحدي الأكبر
بالرغم مما تضمنته الورشة من عروض وأفكار، أجمع المشاركون على أن التحدي الحقيقي يكمن في ترجمة الرؤى إلى مشاريع على الأرض، بعيداً عن الطابع النظري الذي طالما رافق خطط التنمية في السابق.
فطرطوس، بموقعها البحري، ومواردها الزراعية، وعمقها الثقافي، مؤهلة لأن تكون قاطرة استثمارية على الساحل السوري، شريطة أن تدار ملفاتها برؤية موحدة، وإرادة جادة، وبيئة قانونية جاذبة، لتتحول من مجرد ورشة عمل إلى قصة نجاح ملموسة على أرض الواقع.