“إدمان الموبايل”.. خطر صامت يهدد أطفالنا د. هلا البقاعي: انعكاسات خطيرة على العقول

الثورة – فردوس دياب:

طفلي يستيقظ باكراً ويركض مسرعاً لحمل الموبايل، لا أستطيع السيطرة على ابني في تحديد ساعات جلوسه أمام الأجهزة الإلكترونية، هذه بعض من شكاوى الأهل المتكررة عن عدم قدرتهم على السيطرة على أبنائهم لتحديد ساعات بقائهم أمام عالم السوشيال ميديا من التاب والموبايل وغيرها.

عائشة العودة (أم محمد)، تقول، إن طفلها يقضي ساعات طويلة أمام الموبايل وهو  يشاهد ألعاب الفيديو، وعندما تحاول أخذه منه يبدأ بالصراخ ويصبح عصبياً وعدوانياً جداً،
أما تماضر جديد، فقالت بدورها، إن طفلها البالغ من العمر 6 سنوات يقضي معظم وقته أمام شاشة الموبايل حتى أثناء تناوله الطعام.
كذلك، أوضحت كل من علا الجابي وأسماء الخن وخلود سلامة أن أبناءهم (10 سنوات و15 سنة و16 سنة) مدمنون بشكل كبير على مشاهدة الموبايل، وعلى حساب وقت راحتهم، في ظل أوقات الفراغ الطويلة، حتى أن بعضهم يركض مسرعاً فور استيقاظه للإمساك بالموبايل وكأنه كان يحلم به.


وعند سؤالنا، بعض الأطفال عن سبب تعلقهم الكبير بالموبايل، كانت أجوبتهم موحدة نوعاً ما، حيث أكدوا أن سبب ذلك يعود إلى كونه وسيلة للتسلية والترفيه واللعب.

ظاهرة خطيرة

للوقوف على أسباب وآثار وعلاج هذه الظاهرة الخطيرة، التقت “الثورة”، الدكتورة هلا البقاعي عضو الهيئة التدريسية في كلية التربية (قسم التربية الخاصة) بجامعة دمشق، حيث بدأت حديثها بالقول: “إن العصر الرقمي الذي نعيشه جعل من الأجهزة الإلكترونية، بدءاً من الهواتف الذكية الحواسيب، وليس انتهاء بالأجهزة اللوحية وألعاب الفيديو، جزءاً لا يتجزأ من حياة الأطفال، ومع التطور السريع للتكنولوجيا أصبح الوصول إليها سهلاً ومتاحاً وفي متناول الجميع ، مما أدى إلى زيادة ملحوظة في جلوس الأطفال أمام هذه الشاشات وتطور ما يعرف إدمان” الأجهزة الإلكترونية”.
وأكدت أن تنامي هذه الظاهرة بشكل كبير، زاد من قلق الأهل والخبراء والباحثين التربويين، لما لذلك من انعكاسات خطيرة على النمو الجسدي والسلوكي والعاطفي والتعليمي لدى الطفل، حيث أثبتت الدراسات أن أكثر من  70% من الأطفال حول العالم، يقضون وقتاً يفوق  التوصيات اليومية المسموح بها أمام الشاشات.
وعرفت البقاعي “إدمان الأجهزة الإلكترونية”، بأنه عبارة عن  الاستخدام المفرط والمستمر وغير الواعي، إلى الحد الذي يؤثر على جوانب حياتهم في الأداء المدرسي والعلاقات الأسرية والاجتماعية والنوم والصحة الجسدية والعقلية، حیث يصنف هذا السلوك حالياً “اضطراب إدمان سلوك”، مشابهاً للإدمان على الكحول، لأن الطفل لا يستطيع السيطرة على نفسه.

غياب البدائل

وفيما يتعلق بالأسباب التي تؤدي إلى إدمان الأطفال على الأجهزة الإلكترونية، أشارت الأستاذة الجامعية إلى أهمها، وهي سهولة الوصول إلى هذه الأجهزة كونها أصبحت في متناول  كل طفل تقريباً، وحسب إحصائية منظمة اليونيسف في عام 2023 هناك  65% من الأطفال الذين هم تحت عمر العشر سنوات عندهم أجهزة ذكية، بالإضافة إلى غياب الرقابة الأسرية، في مقابل الاستراتيجيات الجاذبة لبعض الألعاب والفيديوهات التي تشد انتباه الطفل وتؤثر عليه، من خلال المكافآت العشوائية والإشعارات المستمرة والدفعات الصوتية والبصرية ما يؤدي إلى إدخال عقله بداومة الإدمان.
ومن أسباب الإدمان أيضاً، تضيف البقاعي، الفراغ الطويل وعدم وجود بديل ترفيهي كالحدائق والنوادي الترفيهية والأنشطة اللاصفية، وكذلك التربية الرقمية الضعيفة،  حيث لا يوجد خطة أسرية لاستخدام الشاشات، وتحديد الوقت للطفل، والوعي من قبل الأهل لمخاطر استخدام الموبايل والتاب لفترات طويلة، أو حتى لنوع أو مضمون المحتوى الذي يشاهده الطفل، هذا بالإضافة إلى نمط الحياة الأسري، حيث إن أغلب الآباء والأمهات يعملون ساعات طويلة، مما يدفع الأبناء إلى الجلوس أمام هذه الأجهزة لفترات طويلة.

قلق وتوتر وعزلة

وعن الآثار السلبية لإدمان الأجهزة الإلكترونية، قالت البقاعي: “إن آثارها تظهر بشكل واضح على العملية التعليمية، حيث تؤدي إلى تراجع انتباه الطفل وتركيزه، إضافة إلى ضعف القراءة والكتابة وانخفاض في التحصيل الدراسي، وفي دراسة أجرتها جامعة كامبريدج عام 2021، بينت أن الأطفال الذين يقضون أكثر من ثلاث ساعات يومياً أمام الشاشات تكون درجاتهم أقل بنسبة 20% بالامتحانات من الذين لا يجلسون، أما بالنسبة للآثار النفسية والعاطفية، فنلاحظ مجموعة من الأعراض منها القلق والاكتئاب والنوم المتأخر والأرق والعزلة الاجتماعية وضعف التعبير العاطفي، وهناك أيضاً الآثار السلوكية وتتجسد في نوبات من الغضب، وعدم السيطرة على الطفل عند سحب الجهاز منه، حيث دائماً يشتكي الأهل من هذه الظاهرة، حيث يصبح بعض الأطفال عنيفين وعدوانيين تقليداً لألعاب العنف والفيديو التي يلعبون فيها.

وأضافت الدكتورة البقاعي: إن الدراسات العلمية، أثبتت حصول تغيرات في بنية الدماغ لدى الطفل المدمن على الموبايل وفق دراسة نشرتها مجلة جاما عام 2019 حيث لوحظ أن الطفل الذي يكون عنده إدمان على الأجهزة الإلكترونية تكون كيميائية الدماغ لديه، مختلفة عن دماغ الطفل الذي ليس لديه إدمان، وخاصة في مناطق اتخاذ القرار بالإضافة لوجود تأخر لغوي، وآلام جسدية كآلام الظهر والرقبة والسمنة بسبب قله الحركة، كذلك ضعف النظر، خاصة عند مشاهدة ألعاب الفيديو نتيجة إجهاد “العين الرقمي”، إضافة إلى اضطرابات النوم بسبب الضوء الأزرق ليلاً الصادر عن الجهاز الإلكتروني  ليلاً والغرفة معتمة.

تؤذي الدماغ

وأشارت الدكتورة البقاعي إلى ثلاث دراسات تربوية هامة، حول الآثار الخطيرة التي يتسبب بها الإدمان على الموبايلات، الدراسة الأولى، قامت جامعة كاليفورنيا عام 2020، وجاءت بعنوان “الدماغ الرقمي”، حيث بينت نتائجها أن الأطفال الذين يستخدمون الشاشات بكثافة، لديهم انخفاض في كثافة المادة الرمادية بالدماغ المسؤولة عن التفكير النقدي والتركيز، أما الدراسة الثانية، فكانت من جامعة أكسفورد عام 2021، حيث أظهرت أن كل ساعة إضافية أمام الشاشة تزيد من السلوك العدواني للطفل بنسبة 15%، أما الدراسة الثالثة فهي من جامعة الملك سعود عام 2023، والتي أكدت أن 72 % من الأهل لديهم اعتقاد خاطئ بأن استخدام الأطفال للاجهزة الإلكترونية هي مصدر تعلم للطفل.
وبالنسبة للوقاية والعلاج، أشارت البقاعي إلى جملة من التوصيات العالمية لضبط هذه الظاهرة، أهمها وضع حدود زمنية، فالطفل أقل من سنتين ممنوع أن يحمل الموبايل نهائياً، أما من عمر سنتين لخمس سنوات، يجب ألا تزيد مشاهدته للموبايل يومياً عن الساعة فقط، أما من 6 سنوات، فأكثر، فلا يجب أن تزيد عن ساعتين إلى ثلاث ساعات يومياً، طبعاً مع مراعاة طبيعة المحتوى، مع الانتباه إلى ضرورة  إيقاف الشاشات قبل النوم بساعتين، هذا بالإضافة إلى تشجيع الأنشطة البديلة وهوايات الأطفال، كالقراءة والرسم والرياضة والبازل والشطرنج.

الوعي بالمخاطر

كذلك، دعت إلى تعليم الطفل كيفية استخدام  التكنولوجيا بوعي وبإيجابية، مع شرح مخاطر المحتويات غير المناسبة، وتشجيعه أن يكون مستخدماً ذكياً، وليس متلقياً سلبياً، وهناك دور كبير للمدرسة في هذا المجال، من خلال إدخال التربية الرقمية، بالمناهج، بالإضافة إلى تنظيم نشاط عمل للطلاب وإنشاء نوادٍ رقمية، أما الاستراتيجية الأهم للمعالجة والوقاية، فهي القدوة الحسنة من الأهل، فإذا كان الأهل يشاهدون الموبايل طول الوقت، فإن الطفل لن يقتنع بتركه، لذلك يجب أن يكون الأهل نموذجاً للاستخدام المتوازن.
وختمت الباحثة التربوية حديثها بالتشديد على ضبط استخدام الأجهزة الإلكترونية، وعدم جعلها مكافأة للطفل على شيء عمله، لأن هذا يعزز فكرة الشاشة لديه، ولنجعل وقت الأسرة خالياً من الشاشات وقت الطعام والسهرة العائلية، مع التركيز على أن التكنولوجيا ليست عدواً، بل أداة، ويجب معرفة كيفية التعامل معها واستخدامها، وهذا يكون من خلال رفع الوعي بمخاطرها، وصياغة سياسات تعليمية واضحة تبني جيلاً رقمياً واعياً ومتزناً وقادراً على التمييز بين الاستخدام السلبي والإيجابي للتكنولوجيا.

آخر الأخبار
"التحول الرقمي".. لتطوير العملية الامتحانية وتحقيق نهضة تعليمية شاملة مباحثات سورية - تركية عسكرية في أنقرة افتتاح مدرسة جديدة الوادي للتعليم الأساسي في ريف دمشق "ريفنا بيستاهل".. وقفة إنسانية لدعم إعادة إعمار ريف دمشق "الطاقة" تكشف خفايا ساعات الوصل والفصل للكهرباء بريف دمشق مشروع النظام الضريبي .. تحفيز للاستثمار وحوكمة رقمية لتنمية سوق رأسمالي فعال.. مشروع قانون جديد للصناديق الاستثمارية مكافحة آفة تهدد محصول البندورة في القنيطرة العدل اللبنانية: آليات جديدة لتعزيزالتنسيق بين لبنان وسوريا "بصرى في عيوننا" تباشر بتأهيل محيط القلعة والمدرج الروماني حلب تواصل خطواتها على طريق التعافي والتنمية صالات "السورية للتجارة" بدرعا مطروحة للاستثمار "إكثار البذار": إجراءات لضمان استدامة محصول القمح "تربية حلب" تعد بتلبية مطالب معلمي الريف الشمالي ازدياد ظاهرة التسول في طرطوس.. ومخاطر جسيمة ملف المعتقلين وانعكاسه على العلاقات السورية اللبنانية سوريا تنهي سياسة المحاور.. والعرب يحتضنون دمشق كلاعب فاعل من التشريعات إلى الضمانات.. خارطة طريق لجذب الاستثمار ورشة عمل بإدلب تبحث إنشاء مدن صناعية ودعم الحركة الاقتصادية قيادات دينية وعشائرية تنتقد خطابات "الهجري" للانفصال