الثورة – لميس علي:
في عام 1994 عُرض للمرة الأولى مسلسل (نهاية رجل شجاع)..
حقق نجاحاً ملحوظاً متحوّلاً عملاً أيقونياً.. وأصبح شبه معيار يتم من خلاله قياس جودة الدراما.. فيقال ما قبل (نهاية رجل شجاع) وما بعده..
وبالفعل، بعد هذا العمل تمكّنت الدراما السورية من حفر بصمة خاصة ميّزتها وخلقت لنفسها مكاناً في فترة تصاعد البث الفضائي..
هل لكون النص مأخوذاً عن عمل الروائي شكّل ذلك عمقاً لبيئة العمل الدرامي..؟
أليست الرواية تاريخاً غير رسمي، غير معترفٍ به.. وبالتالي تحمل مضامين قيّمة فيها كل لوازم (التميّز الفكري) حين يُراد للدراما التلفزيونية أن تكون جدية وذات هدف..
ألم تُصنع نجاحات الدراما المصرية، بغالبيتها، على الأعمال الروائية للكاتب أسامة أنور عكاشة..؟
من أول عوامل تميّز (نهاية رجل شجاع)، عدا الإخراج والتمثيل، يكمن بالنص الذي كتب السيناريو الخاص به “حسن م يوسف”، مأخوذاً عن عمل للروائي الكبير حنا مينه بالعنوان ذاته وكان صدر روايةً قبل أربع سنوات فقط من تاريخ إنتاج المسلسل.
في أحد لقاءاته الصحفية تحدّث “مينه” عن سعادته بنجاح مسلسل نهاية رجل شجاع قائلاً: (عُرض المسلسل في مصر مرتين. من المعروف عن المصريين سابقاً، أنهم لا يعرضون سوى المسلسلات المصرية فقط)..
ويبدو أن أعمال مينه ذات جاذبية للإنتاج التلفزيوني والسينمائي ليس لأن فيها استثماراً لاسمه الكبير وحسب، بل لأنها ذات موضوعات غنية لاسيما ثيمة إبراز مناهضة الاستعمار الفرنسي كما في رواية “مصابيح الزرق” التي أُنتجت تلفزيونياً عام 2012..
وأيضا لأن فيها جانب ملامسة حياة البسطاء ونقل معاناتهم، والذي كان هو ذاته واحداً منهم.. معترفاً أنه كرّس أدبه لأجل (نصرة الفقراء والبؤساء والمعذبين في الأرض)..
وحده قارئ أعمال مينه يشعر أن ثمة نُتفاً من سيرته يبثّها بمختلف أعماله وليس فقط بثلاثيته (المستنقع، بقايا صور، القطاف).. أقلّه أنه تميّز بتظهير بيئة البحر والبحارة فأصبحت سمته الأبرز..
بجدارة، استطاع الإبحار بالرواية من مكانتها الثقافية العليا ومكانها (العاجي)، لتصبح أكثر واقعية وقرباً من الناس.. وإن لا.. لم تكن لتتحوّل الكثير من نتاجاته إلى الشاشتين الكبيرة والصغيرة..
هو الروائي السوري الأكثر حضوراً بنقل أعماله إليهما..
ألا يتحول بذلك إلى ظاهرة جديرة بالانتباه..؟
وألا يكون صاحب تأثير ثقافي (أدبي وفني بصري) على السواء..؟
يبدو أن انغراس “مينه” العميق في الواقع، عيشه الواقع بكل مساوئه، شكّل عجينة الروائي فيه، فانعكس ذلك بقوة في الأدب.. وهو ما وفّر له المكان القريب من (القارئ).. محصّلاً توصيف (المثقف/الروائي) ابن الحياة الحقّ والحقيقي..
وبالوقت ذاته حضور أعماله على الشاشتين السينمائية والتلفزيونية، دعم حالة القرب من (المتلقي) وبالتالي كان أكثر انتشاراً من غيره من الروائيين في أوساط الجماهير البسيطة..
هل حقق معادلة يصعب على الغالبية تحقيقها..؟
قائمة رواياته الأكثر نقلاً إلى السينما والدراما كفيلة بمنح الإجابة الصحيحة.