الثورة – عمار النعمة:
لا يمكننا الحديث عن فن الأدب والشعر دون التطرق إلى الشاعر الداغستاني الروسي رسول حمزاتوف، الذي نحتفل به في هذه الأيام بالذكرى المئوية الأولى لميلاده، حيث وُلد عام 1923 في قرية “تسادا” الصغيرة القائمة على قمّة جبل بداغستان. ونشأ في بيت والده الشاعر المعروف حمزة تساداسا.
ولأن حمزاتوف علامة فارقة في تاريخ الأدب والشعر ها هي دمشق أم الدنيا وأرض الياسمين والحضارات المتعاقبة تحتفي بمئوية الشاعر رسول حمزاتوف بأمسية شعرية وفعالية أدبية وفنية كبرى، ككثير من الدول التي تحتفي بهذا الشاعر، وهذا ليس بغريب فدمشق كانت ولا تزال قبلة الشعراء والأدباء والمثقفين حتى أننا لا نغالي إذا قلنا إن أجمل أبيات الشعر قد كُتبت في دمشق وعنها ولها.
أحب حمزاتوف الشعر منذ نعومة أظفاره فكتب أول أشعاره عندما كان عمره ثماني سنوات، وبطبيعة الحال كتبها باللغة الأفارية، اللغة القوقازية البحتة والتي لا تعدُّ حكراً على قومية الآفار في داغستان وحدها، بل يتحدّث بها سكان مناطق أذربيجانية مجاورة لداغستان.
في سنّ الرابعة عشرة بدأ حمزاتوف بنشر قصائده الأولى في الصحف المحلّية، وقبل أن يبلغ العشرين من العمر نشر ديوانه الأول تحت عنوان “حبّ لاهب، وحقد حارق”، وتوالت دواوينه التي تُرجمت إلى عشرات اللغات، ومنها “قلبي في الجبال”، و”نجمة داغستان”، و”علي يغادر الجبال”، و”أغاني الجبال”، وغيرها.
تخرج حمزاتوف من “معهد غوركي للآداب”، وفيه تعرّف على آداب العالَم وحداثتها، وهو الذي ينحدر من منطقة تتناقل الشعر والحكمة شفاهة على مرّ آلاف السنين، لكنّه فضّل العودة إلى محجّ قلعة؛ العاصمة الداغستانية، التي لا يُمكنه العيش خارجها، ولم يُفارقها إلّا حين أُرسل إلى موسكو للعلاج من مرض عصبي تسبّب في وفاته عام 2003.
كتب حمزاتوف مئات القصائد التي جمعها في أكثر من خمسة عشر كتاباً، وقد تمكّن في ذلك من عبور حدود لغة بلدته الجبلية الصغيرة – الأفارية – بفضل ترجماته إلى اللغة الروسية، ما أكسبه شعبية هائلة في جميع أنحاء روسيا والاتحاد السوفييتي حينها.
يتميز شعره بالصبغة القومية، وبالرومانسية والغنائية، ووصف حمزاتوف المراحل الثلاث لإبداعه الشعري بأنها “مثل ثلاث زوجات: الأولى قاسية وعنيدة، وهي في الحقبة الستالينية التي لم تعرف الرحمة، ورغم عناد هذه الزوجة وقسوتها فقد كانت الحياة في كنفها آمنة ومهيبة، والثانية جميلة وثملة بحريتها وانطلاقها، والثالثة هي الزوجة التي نبحث عنها جميعاً، وهي عادلة وهادئة، كما وصفتها في قصيدة “الصندوق الأسود”، وفيها كل ما هو خفي ومثير”.
اشتهر الشاعر على الأخص بأشعاره التى يتغنى فيها بالمرأة، سواء أكانت أماً أو زوجةً أو حفيدةً، وكان حمزاتوف عضواً في اتحاد الكتاب السوفييت، وعضواً في مجلس السوفييت الأعلى. ومُنِح جائزة لينين. كما عُرف بنشاطه الاجتماعي والثقافي، وبدعمه للشعراء الشباب.
ترجمت كتاباته إلى اللغة العربية مراراً، كما أنّه زار مصر ولبنان وسورية، ونذكر من كتبه المترجمة إلى اللغة العربية “قصائد مختارة”، “مختارات شعرية”، و”داغستان بلدي”.
كان مترجماً نشيطاً جداً فترجم قصائد الشعراء الكلاسيكيين الروس إلى لغته الأم الآفارية ومنهم بوشكين وليرمنتوف ويسينين وماياكوفسكي الذي كان معاصراً له إبان طفولته.
يعتبر الشاعر رسول حمزاتوف من أشهر الشعراء في العالم، وقد حصل على كثير من الجوائز والألقاب، منها جائزة الدولة السوڤييتية وجائزة لينين وجائزة لوتس الأفرو آسيوية وجائزة نهرو، وعلى لقب “شاعر الشعب الداغستاني” و”فنان داغستان القيّم” و”شاعر الاتحاد السوڤييتي الوطني” و”بطل العمل الاشتراكي”.
كان رسول يتعامل مع جميع الناس دون أي تفريق يقدم نفس الاحترام للعامل والفلاح والدولة أحب الناس وبادلوه الحب لم يكن يقسم الناس حسب انتمائهم القومي أو العرقي أو الديني أو السياسي بل إلى مضجرين ومحبي الحياة.
في الذكرى المئوية الأولى لميلاده نقول إنك المبدع الذي لم يؤرقه سوى الإبداع وقد آثرت بأن يبقى نصك لائقاً بالبقاء، فأنت الشمس التي لن تغيب، والدرب الذي سنسلكه بالشعر لنلتقي مع من نحب، لأجلك يورق الشعر من جديد ويزهر ، فأنت من أحببناك لطالما كنت الوفي للانسان والمرأة والوطن معاً.
من كتاباته الشعرية نقتطف:
أحقا أنت يا دمعة
تواسيني بمأساتي
أحقاً أنت باللمعان في بدد
ستنهي لي مصيباتي
لماذا ترتضين الذل لي إني سأبقى شامخاً ابن الجبال
لماذا تفضحي سري بلألأة على مرأى من الأجيال
صديق نحن أسدلنا وداعاً في المسا جفنيه
رأى البلوى وعاش القيظ والبردا