الملحق الثقافي- مي سعود:
أن تكون قريباً لحماً ودمً ونسباً من شاعر ملأ حياتك بعطائه وفكره وذائقته الجمالية وعشت معه طفولتك، بل تربيت على يديه وهو الخال الحنون الذي أعطاك من علمه وإبداعه، أن يكون ذلك كله، وتريد أن تكتب عنه، أظن أن الأمر صعب جداً لأنه باق وحيه معك، وترفض أن تسلم أنه قد رحل، رحل جسداً، ولكنه باق في سلوكه وفكره وإبداعه، على الرغم من أنه لم يلق الاهتمام الإعلامي الذي يستحقه، ومع ذلك هو الشاعر المحلق، وابن البيئة الثقافية والفكرية الأصيلة، مدرسته والده العلامة (أحمد حيدر ) بما تركه من إرث ثقافي وصوفي وفلسفي، وهو مدار الشعر واللغة والعطاء، على يدي هذا الأب كانت المدرسة الأنبل والأنقى والأجمل، ومن مدرسة الشاعر كانت لي الينابيع الأولى وما زالت وستبقى، لم يبخل على أحد بعلم ومعرفة وتوجيه.
ولأن قربتي معه قربتان، دم وتلمذة لا أجد نفسي محايدة، لذلك سأقتبس الكثير مما قيل عنه وكتب.
محطات
ولد في قرية حلة عارا – ناحية بيت ياشوط ـ سنة 1925م في عائلة كريمة، فهو نجل المفكر العلامة أحمد حيدر.
تلقى علومه على يد والده وأعمامه منذ الصغر وتدرّج في تقاليد عائلته من حفظ القرآن الكريم إلى دراسة أصول اللغة وفنونها والتوسع بعدها في مجالات الثقافة الأخرى ما أكسبه ذخيرة ثقافية ساعدته في صقل موهبته الشعرية المميزة.
له ديوان شعر (البحر واللانهاية) أعيد طبعه أكثر من مرة، وله قصائد منشورة في كثير من الصحف والمجلات الرائدة مثل (الموقف الأدبي) وغيرها، وله مجموعة من القصائد المخطوطة التي لم تنشر بعد.
خصص جلّ شعره لقضايا الأمة وهمومها وقد كان لفلسطين حيزاً خاصاً في قلبه عبر عنه قولاً وفعلاً وذلك من خلال قصيدته (فلسطين والنهر الغاضب) ومن خلال حميته الوطنية التي أخذته في عام 1948 فتطوع في الجيش السوري وخاض المعركة في أرض فلسطين.
له قصائد رائعة في تمجيد الجيش السوري ولا أدل على ذلك من قصيدته (جبل الشيخ) التي قالها تمجيداً لحرب تشرين ولبطولات جيشنا الباسل، كما أكثر من شعر الرثاء وله قصائد قليلة في الغزل.
كان مشاركاً أساسياً في المهرجانات الأدبية وفي المناسبات الوطنية حيث كان القائمون عليها يلحون في دعوته لجمال حضوره و وقع شعره.
ومما نشرته مدونة وطن
مدوّنةُ وطن « التي تواصلت كما نشرت والمقال بقلم وفاء نزار سلطان – مع «فاطمة حيدر» بتاريخ 17 آذار2020، لتحدثنا عن والدها الشاعر الراحل «محمد أحمد حيدر»، حيث قالت: «تلقى والدي علومه على يد والده وأعمامه منذ الصغر، وتدرّج في تقاليد العائلة من حفظ القرآن إلى دراسة أصول اللغة وفنونها، والتوسع بعدها في مجالات علوم الفلسفة والروحانيات، ما أكسبه ذخيرة ثقافية وفكرية ساعدته في صقل موهبته الشعرية، فالشعر يحتاج لرؤية نافذة وقلب مرهف وفكر ثاقب، والموهبة وحدها لا تكفي لبلورة شكل الشعر، بعدها يأتي دور الذخيرة اللغوية في تليين الكلمات بشكل مطواع لتناسب بصيرة الشاعر ورؤيته».
عمل في القوات المسلحة بصفة موظف إداري، ثم تقاعد ليمارس الأعمال الحرة، وقد حاول دخول عالم السياسة من خلال انتخابه عضواً في مجلس الإدارة المحلية لمحافظة «اللاذقية»، ثم ما لبث أن استقال، وكان عضواً في جمعية «الشعر» واتحاد الكتاب العرب
وتابعت: «نظم والدي الشعر وهو في المرحلة الابتدائية، وكأن هناك قوة خفية وغامضة كانت تدفعه لكتابة الشعر والتعبير عن مكنوناته والتفاصيل الصغيرة التي كان يراها، وقد كبر ليصبح شاعراً فذاً ذا لغة جزلة مطواعة يختار صوره بخيال خصب ويسطر معانيه بما قلّ ودل، وقد خصص جل شعره لقضايا الأمة وهمومها، وكان لدولة «فلسطين» حيز خاص في قلبه عبّر عنه قولاً وفعلاً، وذلك من خلال قصيدته «فلسطين والنهر الغاضب».
ديوان «البحر واللانهاية»
كما أكثر من شعر الرثاء وله قصائد قليلة في الغزل، ومهما أجدت في تعريفه فلن أستطيع تعريفه أفضل ما عرّف به نفسه بأبياته:
أنا من أمةٍ لها ابتسم الدهر .. وناجى نبيها «جبريل»
أنا من أمةٍ بها ولد النور فلم يكذّب الصحاب الدليل
شرفٌ مثل غرة الشمس لم يحجبه قال ولم ينل منه قيل
أصله ثابتٌ «محمدٌ» يرعاه وفرعٌ يرقى به التنزيل
عربيٌ أنا ويغمرني فخراً نبيٌ حقٌ وسفرٌ جليل».
وأضافت: «عمل في القوات المسلحة بصفة موظف إداري، ثم تقاعد ليمارس الأعمال الحرة، وقد حاول دخول عالم السياسة من خلال انتخابه عضواً في مجلس الإدارة المحلية لمحافظة «اللاذقية»، ثم ما لبث أن استقال، وكان عضواً في جمعية «الشعر» واتحاد الكتاب العرب».
أما حول قصائده ومشاركاته فقالت: «له ديوان شعر وحيد هو «البحر واللا نهاية»، أعيد طبعه أكثر من مرة، وله قصائد منشورة في كثير من الصحف والمجلات الرائدة أبرزها «الموقف الأدبي»، «الفرسان»، ومجلة «جيش الشعب» وغيرها، وقد ترجمت بعض قصائده إلى اللغة الفرنسية، وأبرزها قصيدة «عيد ميلاد»، وقصيدة «العيد»، وكان مشاركاً أساسياً في المهرجانات الأدبية وفي المناسبات الوطنية».
نقرأ من قصيدته «جبل الشيخ والمغاوير»:
«عفو المغاوير والشيخ الذي التثما هل يُحسن الوصف من لم يصعد القمما
وددت لو كنت مغواراً أرافقهم فأنقل الشعر عنهم مثلما نظما
ملاحماً أبداً، تبقى ملامحهم أجلى بياناً وأوعى ربما كلما
معارك الأمس ما كنا نصدقها لو لم يقدم لنا أبطالها رقما
معارك جبل الشيخ انتشى طربا وعانق القائد المغوار وابتسما
شكى له الشيخ بعضاً من فواجعه فكان أشفى له منه بما علما
أعطى لكل مغيرٍ من كتائبه جوانحاً وسما بالجند حين سما
أعار كل مغير همةً جبلاً وساعداً وجناناً ثابتاً وفما
ما غص من جنده يوم الوغى نفر إلا وكان بثغر الزاحفين لما».
الكادحون أحبائي ولي شرف
أن أنتمي لهم أن أعشق الشرف
جراحهم أينما كانت أضمّدها
تمسح الجرح أجفاني إذا نزف
أهيم في شفقٍ لم تبد غرّته
حتى توسّد جنح الغيم، والتحف.
الجيش
طر إلى الأفق وازحم الجوزاء
يخفق النصر حيث وتبغي لواء
وتقحم سرب النجومي ومهّد
طرقاً للسماء تدني السماء
واغز من شئت في الوجود وفجر
حمماً واشبع الأعادي فناء
أيها الجيش أنت للشعب حصن
مانع طاول السماء إباء
وأمطر الغاصبين بالمدفع الرشاش
ناراً تشويهم أحياء
صب للغاصبين أقداح شرب
ماؤها يترك القلوب ظماء
حطم الخصم بالصواريخ بالنيران
وأشبع ظامي التراب دماء
***
هددتنا بالغزو طغمة إسرائيل
و استسهلوا الكلام لقاء
هددتنا بالغزو نحن الأباة الصيد
نحن الألى تحدوا الفناء
قد غزونا بجيشنا واقتحمنا
كل حصن لنا يكنّ العداء
***
كم هدمنا عواصم كم بنينا
كم أعدنا التكوين والإنشاءا
وعلى مستوى حضارتنا باتت
حضارات غيرنا شوهاء
وعلى مستوى حضارتنا بات
طريق العلى سويّا مضاء
***
أيها الجيش لا يغرنك أقوام
إذا حدثوا وأطالوا الهراء
في غد تحجب النسور شعاع الشمس
عنهم وتغمر الأجواء
وتدك الحصون حيث استقرت
قصفها يجعل القلاع هباءا
أيها النسر أنت مفخرة الدهر
فحلّق وزد وكن معطاء
لا تخالي ربيبة الغدر أنّا
في خصام ترجين منه بقاء
نحن عند الجلى رفاق نضال
قد عقدنا على العدو إخاء
وربطنا مصيرنا بفلسطين
ومن بعدها نعيد اللواء
أمة العرب حيثما وجد التحرير
جزء ولم تعد أجزاء.
العدد 1160 – 19-9-2023