الثورة – إعداد ياسر حمزه:
لم تعد الشاشة حكراً على جهاز التلفاز ، بل أصبحت جزءاً من الهاتف النقال، وجهاز الحاسب، و الآي باد، وأجهزة كاميرات المراقبة بأنواعها، وشاشات البورصة، وشاشات المطارات ,فهي جميعها نوافذ تنقل إلينا الصور والحدث، وتحاصر حياتنا اليومية، سواء في العمل، أو الترفيه، أو التواصل الاجتماعي.
ماذا لو اختفت جميع هذه الشاشات من حياتنا بدءاً من شاشة التلفاز ، فلم يعد باستطاعتنا أن نرى تلك الصور الحية، أو نتابع بالصورة مسلسلاتنا المفضلة..؟! ماذا لو اختفت شاشة الهاتف النقال فلم يعد يظهر أمامنا رقم المتصل، ولا الرسائل النصية؟! حتى لوحة المفاتيح «الكيبورد» لم يعد لها قيمة مع غياب شاشة جهاز الحاسب التي من خلالها نتواصل عملاً وترفيهاً ومعرفةً ,وماذا لو لم يعد للآي باد شاشة؟! حتماً سيتحول إلى مجرد لوح أسود.
حتى الشاشات في صالات البورصة ستتحول إلى صناديق فارغة، وفي المطارات ستحل الفوضى والأسئلة عن تلك الرحلات القادمة والرحلات المغادرة.
حتى كاميرات المراقبة المعلقة على أبواب البيوت لن تجدي نفعاً، ففي ظل غياب الشاشة لن تستطيع أن تنقل صورة من يقف أمام باب بيتك والتعرف على هويته.
عندما تختفي الشاشة بحلوها ومُرِّها حتماً، ستختفي أشياء كثيرة من حياتنا, وسنصاب بالعمى الجزئي، فجزء كبير من الرؤية في حياتنا يعتمد على الشاشات التي هي المعبر إلى هذه الرؤية التي اختفت، وحل محلها الفراغ, فلم نعد نستطيع أن نرى إلاّ ما يواجهنا حقيقة.
من خلال نظرة سريعة وفاحصة على محتويات بيتك تكتشف أن هناك أجهزة كثيرة مزودة بشاشات لإظهار الصورة أو الأرقام والحروف, تُعد بمنزلة نافذة سحرية عجيبة تنقل لنا ما يجعل حياتنا، أحياناً أكثر سهولة وراحة. فجهاز الميكرويف ماذا يعني لو لم يكن مزوداً بشاشة مؤقِّتة, فالشاشة تبين أنه ربما كان للثانية فيه فعل الاحتراق, إننا في حياتنا محكومون بمتابعة الشاشة، سواء كانت شاشة تلفاز ينقل الأخبار ، أو شاشة ميكرويف يسخن لنا طبقاً بارداً، أو في انتظار مكالمة مهمة تضيء شاشة الهاتف بالرقم, لقد باتت الشاشة صديقنا اللصيق، في أي مكان نكون.
كما أن الشاشات فرضت علينا نوعاً من السلوك ونحن نواجهها يومياً، كالصمت والتركيز والتأمل.
وأصبح لشاشات الهاتف النقال استخدامات كإضاءة الطريق في العتمة, كما أنها قد ملأت أوقات الفراغ لدى بعضنا, لكنها ربما، أضاعت أوقاتاً مهمة في حياة بعضنا الآخر.
إن الشاشة تعني شيئاً كبيراً في حياتنا فهي الصديق عندما يعز الأصدقاء، وهي النافذة التي تفتح مصراعيها لتسعدنا وتبهرنا بالرؤية.
لو قررنا يوماً أن نعيش دون شاشات نواجهها..يا ترى ماذا ستكون البدائل؟! في بعض الحالات ستكون البدائل مفيدة للصحة والتواصل الاجتماعي كبديل التلفاز مثلاً.
بينما ستكون بدائل شاشة جهاز الحاسب فادحة على صعيد العمل ,أما بدائل شاشات الهاتف وكاميرات المراقبة والبورصة وشاشات المطارات فستكون، حتماً مربكة.
إن يوماً واحداً دون شاشة سيغير حياة الأطباء والمهندسين والمديرين والطلاب حتى ربات البيوت ,ستكثر الأخطاء وستؤجل الأعمال.. سينزل مؤشر البورصة، وتغادر الرحلات الجوية بأقل من المطلوب هذا إن غادرت في غياب شاشات كبينة القيادة في الطائرة.
بما أن الشاشة جزء من حياتنا اليومية فإنه لزاماً علينا أن نتعاطى معها بما يتيح لنا من خدمات وترفيه دون أن نلحق الضرر بأنفسنا أو بالآخرين، وأن نتوخى الحذر عندما نقضي معظم وقتنا أمامه , و أن نأخذ بالنصائح الطبية والاجتماعية بعين الاعتبار.
فالشاشة صديق لصيق بنا، لكنها ربما جلبت الضرر النفسي لنا ولأطفالنا الذين يواجهون الشاشات ساعات طويلة من اليوم.
ولقد أثبتت الدراسات الاجتماعية أن الطفل الذي يجلس ساعات طويلة، سواء أمام شاشة التلفاز، أو الحاسب، أو ألعاب «البلاي ستيشن» تجعله عرضة للانطواء أكثر من غيره، حيث يمتنع عن المشاركة الاجتماعية والتواصل الحقيقي مع الآخرين.
كما أن الجلوس غير المقنن أمام الشاشات، سواء بهدف التسلية، أو العمل يلحق ضرراً صحياً بالعين وبالجهاز العصبي والعمود الفقري، ويضر بالبشرة.
كما يلحق ضرراً بالعلاقات الأسرية حيث ينشغل الزوجان عن بعضهما أمام الشاشة، والأم عن أطفالها، والأبناء عن والديهم، ما يجعل الشاشة هادمة للذات الحقيقية، ومفرقة للجماعات.
كما أن بعض العادات السيئة التي تصاحب الجلوس أمام الشاشة كالأكل، والجلوس بطريقة غير صحية، وعدم الالتزام بالوقت المقنن تحتاج منّا إلى وقفة حقيقية.. فالتقنية بجميع أوجهها وجدت لتضيف إلى حياتنا الراحة والبهجة لا السمنة والاكتئاب.
لذا يجب أن نعرف كيف نتكيف مع هذه الشاشة، فهي ليست ضيفاً مؤقتاً في حياتنا، بل هي كائن متطور ينمو معنا، ويدخل في تفاصيل حياتنا شئنا أم أبينا.