هيئة التخطيط والتعاون الدولي: الصناعة التحويلية قادرة على إحداث تغيير جوهري في معدلات النمو الاقتصادي
الثورة – بيداء الباشا:
اعتبر تقرير هيئة التخطيط والتعاون الدولي أن الصناعـة التحويليـة تتصف بقدرتهـا علـى إحـداث تغيـير جوهـري علـى صعيـد تحقيـق معـدلات نمـو اقتصاديـة سـريعة ومسـتدامة، وتطويـر القـدرات الإنتاجيـة للاقتصـاد الوطـني، ورفـع إمكاناتـه التصديريـة، وتوليـد المزيـد مـن فـرص العمل.
-وبحسب التقرير – فإن الصناعة التحويلية تسهم بتحسيــن الدخــل الحقيقــي للعاملـيـن، علــى نحــو يفضــي إلى تعديــل هيكليــة الاقتصــاد الوطــني، وإرســاء القاعــدة المتينــة لعمليـة التنميـة، وهـو الأمـر الـذي لم يسـتطع قطـاع الصناعـة التحويليـة في سـورية تحقيقـه نتيجـة مجموعـة مـن العوامـل التي وقفت أمام تطـور هـذا القطـاع.
ويشير التقرير إلى أن الصفــة المميــزة للصناعــة التحويليــة المحلية هــي قيامهــا علــى صناعــات خفيفــة تتركــز في المراحــل الأخـيـرة مــن سلسـلة التصنيـع (القيمـة)، وهـي –مـن ثمّ- ذات قيمـة مضافـة منخفضـة، وقـد تميـز نمـو الناتـج في هـذا القطـاع بعـدم الاســتقرار والتذبــذب الشــديد.
ويرجــع تقرير الهيئة هذه النتائج إلى عــدم التطــور الــكافي لإنتاجيــة مجمــل عوامــل الإنتــاج، التي تعــبر عــن مســاهمة العوامــل الأخــرى المغايــرة لمدخلات الإنتــاج علــى المخرجــات (مثــل الكفــاءة والتطــور التكنولوجــي والابتــكار، والظــروف المناخيــة وغيرها)، حيــث كانــت مســاهمتها منخفضــة، بــل ســالبة في بعـض السـنوات. ويمكـن رد المسـاهمة المنخفضـة هـذه إلى عواملهـا الأساسـية المتمثلـة بالمسـتوى التكنولوجـي المنخفـض المسـتخدم، ومحدوديـة نشـاط البحـث والتطويـر في القطاعيـن العـام والخـاص، وعـدم منـح مراكـز الاختبـارات الصناعيـة أو مراكـز البحـوث العلميـة الحكوميـة الاهتمـام الـكافي.
أضف إلى ذلك بقاء الجامعـة بعيـدة عـن المشـاركة، ولا توجـد جهـات رسميـة أو خاصـة تتبـنى نشـاطات المخترعيـن والمطوريـن (الحقيقيـين) علـى نحـو فعـال يسـاعد في بنـاء تكنولوجيـا وطنيـة، ومـع غيــاب مفاهيــم إدارة الجــودة الشــاملة، تأثــرت هــذه العوامــل في شــروط التبــادل التجــاري للســلع الســورية المصنعــة، ومــن ثمّ في انخفــاض تنافســيتها.
ويشير التقرير إلى أن الخصائص المميـزة وطبيعـة المؤسسـات في القطـاع الخـاص قد أدت دوراً هامـاً في انخفـاض مسـتوى تطـور إنتاجيـة المعامل؛ إذ يتميــز القطــاع الصناعــي الخــاص بكــون شــركاته عائلية صغـيـرة، تتســم بضعــف أســاليب إدارتهــا وســرعة دوران اليــد العاملــة فيهــا، والإدارة في القطــاع الخــاص في معظمهــا عائلية لا تفصــل بيــن الإدارة والملكيــة، وتنقصهــا المهـارات الإداريـة الحديثـة، وتغيـب عنهـا المحاسـبة الحديثـة.
ويبين تقرير هيئة التخطيط والتعاون الدولي أن مسـتوى الدراسـات المتعلقـة بمتطلبـات الأسـواق الداخلية والخارجية انخفض إضافة إلى ضعف التسـويق، لذلك لم يحدث أي تطور يذكر في هيكلية منشـآت القطاع الخاص، ولم تتحــول إلى شــركات مســاهمة، بــل بقيــت النســبة العظمــى مــن المشــاريع المشــملة مشــاريع فرديــة، كمــا أّن الشــكل القانـوني وحجـم وطبيعـة المشـاريع المنفـذة حافـظ علـى حالـه كمـا كان في المراحـل السـابقة، وينطبـق ذلـك علـى حالـة مشـاريع الاسـتثمار الأجنبـي.
هـذا إضافـة إلى اسـتمرار سـيادة التـوزع الجغـرافي التقليـدي للمشـاريع المنفـذة والمركـز في المحافظــات الرئيســية الكــبرى (دمشــق، ريــف دمشــق، حمــص وحلــب)، وخاصــة الصناعيــة منهــا، ويلاحظ أّن النمــو المحقـق قـد تركـز في المـدن الصناعيـة، وهـو مـا يشيـر إلى ضـرورة وضـع سياسـات واضحـة تخـص تعزيـز البيئة الاسـتثمارية ومواءمتهــا لنمــو الاســتثمار خــارج هــذه المــدن أيضــاً، إضافــة إلى ضعــف مقومــات البيئة الاســتثمارية خــارج هــذه المـدن، ومـع اسـتمرار أثـر العوامـل المبينـة سـابقاً، التي تؤثـر سـلباً علـى اسـتدامة النمـو والإنتاجيـة، فقـد بـدأ نمـو الناتـج في الصناعـة التحويليـة يراجـع خلال عامـي 2009 و2010، وتراجعـت مؤشـرات القطـاع العـام الصناعـي خلال هـذه المـدة نفسـها، وذلـك لأسـباب تركـزت في قـدم الآلات، وارتفـاع الكلـف، وانخفـاض مهـارات العاملـين، ووجـود وحـدات إنتاجيـة خاسـرة أو متوقفـة، وفي ذات الوقـت، انخفضـت الاسـتثمارات العامـة في هـذا القطـاع.
وينوه التقرير إلى أن تداعيـات الحـرب أرخت بمنعكسـاتها الثقيلـة علـى الصناعـة التحويليـة، وبالرغـم مـن ذلـك، اسـتمرت بعـض الأنشـطة الاقتصاديــة دون توقــف.
وبــدأت مؤشــرات عــودة القطــاع للإنتــاج منــذ العــام2014؛ إلا أّن نســبة القيمــة المضافــة إلى الإنتــاج في الصناعــة التحويليــة لم تصــل إلى مســتوياتها للمرحلــة مــا قبــل العــام 2011، وتظهــر البيــانات أّن أكثــر الصناعــات تأثــراً كانــت الصناعــات الغذائية، فيمــا يتعلــق بالقيمــة المضافــة المحققــة فيهــا، في حـيـن كانــت أقلهــا تأثــراً صناعــة منتجــات الملابــس والأحذيــة والجلــود.
ويتابع تقرير هيئة التخطيط والتعاون الدولي أدت ظـروف الحـرب إلى تراجـع النشـاط الاقتصـادي الصناعـي في القطـاع الخـاص، وترافـق ذلـك مـع اسـتمرار جــزء مــن مؤسســات القطــاع العــام بالعمــل، وذلــك بطاقــات إنتاجيــة ضمــن حــدود سمحــت لهــا بتخفيــض حجــم خسائرها، ومــن ثمّ زيادة القيمــة المضافــة المحققــة فيهــا.
وتعتمـد الصناعـة التحويليـة بدرجـة كبـيرة في استهلاكها الوسـيط وأصولهـا الإنتاجيـة علـى الخـارج؛ وبمعنـى آخـر، فـإن المحتـوى الاسـتيرادي للمنتجـات السـورية كبـير، ويضـاف إلى ذلـك أّن الأصـول الإنتاجيـة هـي في معظمهـا مسـتوردة، وهـو مـا يلقـي عبئاً آخـر علـى الصناعـة التحويليـة.
ويتجلـى الوجـه الآخـر لاعتمـاد الصناعـة التحويليـة علـى الخـارج في ضعـف ترابطاتهـا الأماميـة والخلفيـة، سـواء أكان ذلــك بــين الأنشــطة المختلفــة لهــذا القطــاع أم مــع القطاعــات الأخــرى، مــع بعــض الاســتثناءات القليلــة، وقــد أفقــد ذلــك الصناعــة التحويليــة، بــل وأفقــد الاقتصــاد الوطـنـي برمتــه، إمكانيــة الاســتفادة النســبية مــن العلاقــة العضويــة بـيـن القطاعــات الاقتصاديــة، وخاصــة تلــك الـتـي تربــط بــن قطاعــي الزراعــة والصناعــة التحويليــة.