ظافر أحمد أحمد:
دول كبرى متخمة بالفن والأدب والثقافة والمسرح والترفيه وشتى مجالات التطور وبإرث حضاري كبير، لكنها تتنافس فيما بينها بعيدة عن هذه المجالات إذ يكاد ينحصر تنافسها بالشؤون المرتبطة بالأسلحة وتكنولوجيا الحرب والدفاع.
هذا العالم بكل تمدنه لم يعد يعطي أهمية إلاّ للقوّة والسلاح، وأصبح الاستثمار في التوحش والحروب والعنف يشغل المرتبة الأولى في الإنفاق المالي العالمي.
هل يتساءل العرب اليوم وهم أمام درس غزّة عن هول الاستثمارات الإسرائيلية في الأحزمة النارية التي تمّ تجريب توحشها على حجر وبشر غزةّ؟. كم هي تكلفة الحزام الناري الواحد كالذي تمّ تجريبه في مخيم الشاطئ على سبيل المثال..؟
هل يتساءل العرب المدججون بأوهام السلام وهم على أطلال شمال غزّة، لماذا الشكل الاستثماري الإسرائيلي يخاطبهم من بوابة العنجهية والسلاح بينما ردهم غالباً يقتصر على استثمارات التطوير في بيئة أراد الغرب تسيّدها بلغة الحزام الناري الإسرائيلي..؟
عندما حدث الغزو الأميركي للعراق ترك أطلالاً وخراباً أوسع بكثير من الخراب الذي تحدثه الأحزمة النارية الإسرائيلية، ومن لم يفهم الحزام الناري الأميركي في العراق سابقاً، لن يمكنه اكتشاف الدلالة من غزو تنظيم القاعدة للعراق وسورية معاً بعد الغزو الأميركي للعراق، فالعين التي تتقبل الحزام الناري في عقل لا يستوعبه، يصبح عقلاً للتجريب بالنّار، هذا ما يجعل الأرض العربية والمدن العربية في موضع التجارب بالنّار، بينما التحريض الغربي للعرب فعَّال على المزيد من الارتباط بقروض وشروط صندوق النقد الدولي والرد على الوحشية الإسرائيلية بمزيد من لغة السلام والتذكير الدائم بمبادرة السلام العربية، وبمزيد من إفساح المجال لتوسيع التيار العربي الذي يؤمن بأنّ الشكوى للأمم المتحدة والولايات المتحدة على وحشية إسرائيل هو عمل عربي خلاّق وله جدوى..!
أما آن لمشاهد فوضى الأطلال التي بعثرت أحداثياتها الأحزمة النارية الإسرائيلية، أن تفتق في الذهن العربي وتشحنه بتفكير إستراتيجي يربط بين الأمن القومي العربي والاستثمارات الخادمة للقوّة الذاتية العربية حصراً بعيداً عن بحور تجاورهم وتثقلها البوارج وحاملات الطائرات الغربية؟ أمّا آن للعقل الذي يعاين الأحزمة النارية الإسرائيلية الفهم بأن الحماية الذاتية لا تتم عبر بحور الشعر العربي ولا نثرياته وبياناته ولا باستثمارات لا تجلب القوة الذاتية بل لابد من تفكير جدي بكيفية امتلاك القوة في وجه صنّاع التوتر في المنطقة العربية، والذين تركوا أدلة صناعتهم أحزمة نارية في العراق والعقل العربي، وأحزمة نارية في غزّة..
من يمعن جيداً في أطلال شمال غزّة سيكتشف أيضا أسراراً تختلف كثيراً عن أسئلة المتعايشين مع عار تسليمهم بأنّه يحق للولايات المتحدة أن ترسم الخرائط وهم أدوات للرسم.
